نبذة تاريخية:
نشأة علم المصطلح، والأطوار التي مر بها
يلاحظ الباحث المتفحص أن الأسس والأركان الأساسية لعلم الرواية، ونقل الأخبار موجودة في الكتاب العزيز، والسنة النبوية، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [سورة الحجرات: 6] ، وجاء في السنة النبوية قوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأً سمع منا شيئا فبلغه كما سمع؛ فرب مبلغ أوعى من سامع" 1 وفي رواية: "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه" 2.
ففي هذه الآية الكريمة، وهذا الحديث الشريف مبدأ التثبت في أخذ الأخبار، وكيفية ضبطها، بالانتباه لها، ووعيها، والتدقيق في نقلها للآخرين.
وامتثالا لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يثبتون في نقل الأخبار وقبولها، ولا سيما إذا شكوا في صدق الناقل لها. فظهر بناءً على هذا موضوع العناية بالإسناد وقيمته في قبول الأخبار أو ردِّها. فقد جاء في مقدمة صحيح مسلم عن ابن سيرين: "قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم"1.
وبناء على أن الخبر لا يُقبَل إلا بعد معرفة سنده، فقد ظهر علم الجرح والتعديل، والكلام على الرواة، ومعرفة المتصل أو المنقطع من الأسانيد، ومعرفة العلل الخفية، وظهر الكلام في بعض الرواة، لكن على قلة، لقلة الرواة المجروحين في أول الأمر.
ثم توسع العلماء في ذلك، حتى ظهر البحث في علوم كثيرة تتعلق بالحديث من ناحية ضبطه وكيفية تحمله وأدائه، ومعرفة ناسخه من منسوخه، وغريبه، وغير ذلك، إلا أن ذلك كان يتناقله العلماء شفويا. ثم تطور الأمر، وصارت هذه العلوم تكتب وتسجل، لكن في أمكنة متفرقة من الكتب ممزوجة بغيرها من العلوم الأخرى، كعلم الأصول، وعلم الفقه، وعلم الحديث. مثل كتاب "الرسالة" وكتاب "الأم" كلاهما للإمام الشافعي.
وأخيرا لما نضجت العلوم، واستقر الاصطلاح، واستقل كل فن عن غيره، وذلك في القرن الرابع الهجري، وأفرد العلماء علم المصطلح في كتاب مستقل، وكان من أول من أفرده بالتصنيف القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي المتوفى سنة 360هـ في كتابه "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي".
وسأذكر أشهر المصنفات في علم المصطلح من حين إفراده بالتصنيف إلى يومنا هذا.
أشهر المصنفات في علم المصطلح:
1- المحدث الفاصل بين الراوي والواعي: صنفه القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي المتوفى سنة 360هـ لكنه لم يستوعب أبحاث المصطلح كلها، وهذا شأن من يفتتح التصنيف في أي علم غالبا.
2- معرفة علوم الحديث: صنفه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، المتوفى سنة 405هـ، لكنه لم يهذب الأبحاث، ولم يرتبها الترتيب الفني المناسب.
3- المستخرج على معرفة علوم الحديث: صنفه أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، المتوفى سنة 430هـ، استدرك فيه على الحاكم ما فاته في كتابه "معرفة علوم الحديث" من قواعد هذا الفن، لكنه ترك أشياء يمكن للمتعقب أن يستدركها عليه أيضا.
4- الكفاية في علم الرواية: صنفه أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، المشهور، المتوفى سنة 463هـ، وهو كتاب حافل بتحرير مسائل هذا الفن، وبيان قواعد الرواية، ويعد من أَجَلِّ مصادر هذا العلم.
5- الجامع لأخلاق الرواي وآداب السامع: صنفه الخطيب البغدادي أيضا، وهو كتاب يبحث في آداب الرواية، كما هو واضح من تسميته. وهو فريد في بابه، قيم في أبحاثه ومحتوياته، وقَلَّ فنٌّ من فنون علوم الحديث إلا وصنف الخطيب فيه كتابا مفردا. فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: "كل من أنصف عَلِمَ أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه".
6- الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع: صنفه القاضي عياض بن موسى اليحصبي، المتوفى سنة 544هـ، وهو كتاب غير شامل لجميع أبحاث المصطلح، بل هو مقصور على ما يتعلق بكيفية التحمل والأداء، وما يتفرع عنهما، لكنه جيد في بابه، حسن التنسيق والترتيب.
7- ما لا يسع المحدث جهله: صنفه أبو حفص عمر بن عبد المجيد الميانجي، المتوفى سنة 580هـ، وهو جزء صغير، ليس فيه كبير فائدة.
8- علوم الحديث: صنفه أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، المشهور بابن الصلاح، المتوفى سنة 643هـ، وكتابه هذا مشهور بين الناس بـ "مقدمة ابن الصلاح" وهو من أجود الكتب في المصطلح. جمع فيه مؤلفه ما تفرق في غيره من كتب الخطيب ومن تقدمه، فكان كتابا حافلا بالفوائد، لكنه لم يرتبه على الوضع المناسب؛ لأنه أملاه شيئا فشيئا، وهو مع هذا عمدة من جاء بعده من العلماء، فكم من مختصِرٍ له، وناظم، ومعارض له، ومنتصر.
9- التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير: صنفه محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة 676هـ، وكتابه هذا اختصار لكتاب "علوم الحديث" لابن الصلاح، وهو كتاب جيد، لكنه مغلق العبارة أحيانا.
10- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: صنفه جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة 911هـ، وهو شرح لكتاب تقريب النواوي، كما هو واضح من اسمه، جمع فيه مؤلفه من الفوائد الشيء الكثير.
11- نظم الدرر في علم الأثر: صنفها زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي، المتوفى سنة 806هـ، ومشهورة باسم "ألفية العراقي" نظم فيها "علوم الحديث" لابن الصلاح، وزاد عليه، وهي جيدة غزيرة الفوائد، وعليها شروح متعددة، منها شرحان للمؤلف نفسه.
12- فتح المغيث في شرح ألفية الحديث: صنفه محمد بن عبد الرحمن السخاوي، المتوفى سنة 902هـ، وهو شرح على ألفية العراقي. وهو من أوفى شروح الألفية وأجودها.
13- نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر: صنفه الحافظ ابن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852هـ، وهو جزء صغير مختصر جدًّا، لكنه من أنفع المختصرات وأجودها ترتيبا، ابتكر فيه مؤلفه طريقة في الترتيب والتقسيم لم يسبق إليها، وقد شرحه مؤلفه بشرح سماه "نزهة النظر" كما شرحه غيره.
14- المنظومة البيقونية: صنفها عمر بن محمد البيقوني، المتوفى سنة 1080هـ، وهي من المنظومات المختصرة؛ إذ لا تتجاوز أربعة وثلاثين بيتا، وتعد من المختصرات النافعة المشهورة، وعليها شروح متعددة.
15- قواعد التحديث: صنفه محمد جمال الدين القاسمي، المتوفى سنة 1332هـ وهو كتاب محرر مفيد. وهناك مصنفات أخرى كثيرة، يطول ذكرها، اقتصرت على ذكر المشهور منها. فجزى الله الجميع عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
مصطلحات علم الحديث
1- علم المصطلح: هو علم بأصول وقواعد، يعرف بها أحوال السند والمتن، ومن حيث القبول والرد. 2- موضوعه: موضوعه: السند والمتن من حيث القبول والرد. 3- ثمرته: وثمرته: تمييز الصحيح من السقيم من الأحاديث. 4- الحديث: لغةً: الجديد، ويجمع على أحاديث، على خلاف القياس.واصطلاحا: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة. 5- الخبر: لغة: النبأ، وجمعه أخبار، واصطلاحا فيه ثلاثة أقوال، وهي:أ- هو مرادف للحديث: أي أن معناها واحد اصطلاحا.
ب- مغاير له: أي فالحديث: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والخبر: ما جاءه عن غيره.
ج- أعلم منه: أي فالحديث: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والخبر: ما جاء عنه أو عن غيره.
6- الأثر: لغة: بقية الشيء، واصطلاحا: فيه قولان؛ هما:أ- هو مرادف للحديث: أي أن معناهما واحد اصطلاحا.
ب- مغاير له: وهو ما أضيف إلى الصحابة والتابعين من أقوال أو أفعال.
7- الإسناد: له معنيان:أ- عزو الحديث إلى قائله مسندا.
ب- سلسلة الرجال الموصِّلة للمتن، وهو بهذا المعنى مرادف للسند.
8- السند: لغةً: المعتمد، وسمي كذلك؛ لأن الحديث يستند إليه، ويعتمد عليه، واصطلاحًا: سلسلة الرجال الموصلة للمتن. 9- المتن: لغةً: ما صلب وارتفع من الأرض، واصطلاحًا: ما ينتهي إليه السند من الكلام. 10- المسنَد: "بفتح النون": لغةً: اسم مفعول، من أسند الشيء إليه، بمعنى: عزاه ونسبه إليه. اصطلاحًا: له ثلاثة معانٍ:أ- كل كتاب جمع فيه مرويات كل صحابي على حدة.
ب- الحديث المرفوع المتصل سندا.
ج- أن يراد به "السند" فيكون بهذا المعنى مصدرا ميميا.
11- المسنِد: "بكسر النون": هو من يروي الحديث بسنده، سواء أكان عنده علم به، أم ليس له إلا مجرد الرواية. 12- المحدِّث: هو من يشتغل بعلم الحديث رواية ودراية، ويطَّلِع على كثير من الروايات، وأحوال رواتها. 13- الحافظ: فيه قولان:أ- مرادف للمحدِّث عند كثير من المحدثين.
ب- وقيل: هو أرفع درجة من المحدث، بحيث يكون ما يعرفه في كل طبقة أكثر مما يجهله.
14- الحاكم: هو من أحاط علما بجميع الأحاديث، حتى لا يفوته منها إلا اليسير، وهذا على رأي بعض أهل العلم.1- فإن كان له طرق غير محصورة بعدد معين، فهو المتواتر.
2- وإن كان له طرق محصورة بعدد معين، فهو الآحاد.
ولكل منهما أقسام وتفاصيل، سأذكرها وأبسطها إن شاء الله تعالى، بمبحثين، وهما. المبحث الأول: الخبر المتواتر 1- تعريفه:أ- لغةً: هو اسم فاعل، مشتق من التواتر، أي التتابع، تقول: تواتر المطر، أي تتابع نزوله.
ب- اصطلاحًا: ما رواه عدد كثير، تُحِيل العادة تواطُؤَهم على الكذب.
2- شرح التعريف: ومعنى التعريف: أن المتواتر هو الحديث أو الخبر الذي يرويه في كل طبقة من طبقات سنده رواة كثيرون، يحكم العقل عادة باستحالة أن يكون أولئك الرواة قد اتفقوا على اختلاق هذا الخبر. 3- شروطه: يتبين من شرح التعريف أن التواتر لا يتحقق في الخبر إلا بشروط أربعة وهي:أ- أن يرويه عدد كثير، وقد اختلف في أقل الكثرة على أقوالٍ، المختار أنه عشرة أشخاص.
ب- أن توجد هذه الكثرة في جميع طبقات السند.
ج- أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب.
د- أن يكون مستند خبرهم الحس؛ كقولهم: سمعنا، أو رأينا، أو لمسنا، أو ... أما إن كان مستند خبرهم العقل، كالقول بحدوث العالم مثلا، فلا يسمى الخبر حينئذ متواترا.
4- حُكْمُهُ: المتواتر يفيد العلم الضروري، أي العلم اليقيني الذي يضطر الإنسان إلى التصديق به تصديقا جازما، كمن يشاهد الأمر بنفسه؛ فإنه لا يتردد في تصديقه، فكذلك الخبر المتواتر، لذلك كان المتواتر كله مقبولا، ولا حاجة إلى البحث عن أحوال رواته. 5- أقسامه: ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين هما: لفظي، ومعنوي:أ- المتواتر اللفظي: وهو ما تواتر لفظه ومعناه، مثل حديث: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"، فقد رواه بضعة وسبعون صحابيا. ثم استمرت هذه الكثرة -بل زادت- في باقي طبقات السند.
ب- المتواتر المعنوي: هو ما تواتر معناه دون لفظه، مثل: أحاديث رفع اليدين في الدعاء، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم نحو مائة حديث، كل حديث منها فيه: أنه رفع يديه في الدعاء، لكنها في قضايا مختلفة، فكل قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك بينها -وهو الرفع عند الدعاء- تواتر باعتبار مجموع الطرق2.
6- وجوده: يوجد عدد لا بأس به من الأحاديث المتواترة، منها حديث الحوض، وحديث المسح على الخفين، وحديث رفع اليدين في الصلاة، وحديث: " نضر الله امرأ"، وغيرها كثير؛ لكن لو نظرنا إلى عدد أحاديث الآحاد لوجدنا أن الأحاديث المتواترة قليلة جدا بالنسبة إليها. 7- أشهر المصنفات فيه: لقد اعتنى العلماء بجمع الأحاديث المتواترة وجعلها في مصنف مستقل؛ ليسهل على الطالب الرجوع إليها، فمن تلك المصنفات:أ- الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة: السيوطي، وهو مرتب على الأبواب.
ب- قطف الأزهار: للسيوطي أيضا، وهو تلخيص للكتاب السابق.
ج- نظم المتناثر من الحديث المتواتر: لمحمد بن جعفر الكتاني.
المبحث الثاني: خبر الآحاد 1- تعريفه:أ- لغةً: الآحاد: جمع أحد، بمعنى: الواحد، وخبر الواحد هو: ما يرويه شخص واحد.
ب- اصطلاحًا: هو ما لم يجمع شروط المتواتر.
2- حكمه: يفيد العلم النظري؛ أي العلم المتوقف على النظر والاستدلال، هذا ولخبر الآحاد تقسيمان، كل تقسيم باعتبار. وسنتطرق إلى هذين التقسيمين في الفصل الثاني.ينقسم خبر الآحاد بالنسبة إلى عدد طرقه إلى أقسام كثيرة وهي: المشهور والعزيز والغريب
المشهور:
1- تعريفه: هو لغةً: هو اسم مفعول من "شهرت الأمر" إذا أعلنته وأظهرته، وسمي بذلك لظهوره، واصطلاحًا: ما رواه ثلاثة فأكثر -في كل طبقة- ما يبلغ حد التواتر، ومثاله: حديث: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جُهَّالًا، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا" 2.
3- المستفيض: هو لغةً: اسم فاعل، من "استفاض" مشتق من فاض الماء وسمي بذلك لانتشاره، واصطلاحًا: اختلف في تعريفه على ثلاثة أقوال، وهي:
- أنه مرادف للمشهور.
- أنه أخص منه؛ لأنه يشترط في المستفيض أن يستوي طرفا إسناده، ولا يشترط ذلك في المشهور.
- أنه أعم منه، أي هو عكس القول الثاني.
4- المشهور غير الاصطلاحي: ويقصد به ما اشتهر على الألسنة من غير شروط تعتبر؛ فيشمل:
أ- ما له إسناد واحد.
ب- وما له أكثر من إسناد.
ج- وما لا يوجد له إسناد أصلا.
5- أنواع المشهور غير الاصطلاحي: وله أنواع كثيرة، أشهرها:
أ- مشهور بين أهل الحديث خاصة: ومثاله: حديث أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرا بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان1.
ب- مشهور بين أهل الحديث، والعلماء، والعوام: مثاله: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" 2.
ج- مشهور بين الفقهاء: مثاله: حديث: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" 3.
د- مشهور بين الأصوليين: مثاله: حديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". صححه ابن حبان، والحاكم.
هـ- مشهور بين النحاة: مثاله: حديث: "نعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه". لا أصل له.
و - مشهور بين العامة: مثاله: حديث "العجلة من الشيطان".
6- حكم المشهور: المشهور الاصطلاحي وغير الاصطلاحي لا يوصف بكونه صحيحًا أو غير صحيح ابتداء، لكن بعد البحث يتبين أن منه الصحيح، ومنه الحسن، ومنه الضعيف، ومنه الموضوع أيضا لكن إن صح المشهور الاصطلاحي، فتكون له ميزة ترجحه على العزيز والغريب.
7- أشهر المصنفات فيه: المراد بالمصنفات في الأحاديث المشهورة هي الأحاديث المشهورة على الألسنة، وليست المشهورة اصطلاحا؛ لأنه يؤلف العلماء كتبا في جمع الأحاديث المشهورة اصطلاحا. ومن هذه المصنفات:
أ- المقاصد الحسنة، فيما اشتهر على الألسنة، للسخاوي.
ب- كشف الخفاء، ومزيل الإلباس، فيما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس، للعجلوني.
ج- تمييز الطيب من الخبيث، فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث، لابن الدَّيْبَع الشيباني.
العزيز:
1- تعريفه: هو لغة: هو صفة مشبهة، من "عز يعز" بالكسر، أي قل وندر، أو من "عز يعز" بالفتح، أي قوي واشتد، وسمي بذلك إما لقلة وجوده وندرته، وإما لقوته، بمجيئه من طريق آخر، واصطلاحا: أن لا يقل رواته عن اثنين في جميع طبقات السند.
2- شرح التعريف: يعني ألا يوجد في طبقة من طبقات السند أقل من اثنين؛ أما إن وجد في بعض طبقات السند ثلاثة فأكثر فلا يضر، بشرط أن تبقى ولو طبقة واحدة فيها اثنان؛ لأن العبرة لأقل طبقة من طبقات السند. هذا التعريف هو الراجح، كما حرره الحافظ ابن حجر1، وقال بعض العلماء: إن العزيز: هو رواية اثنين أو ثلاثة، فلم يفصلوه عن المشهور في بعض صوره، ومثاله: ما رواه الشيخان من حديث أنس، والبخاري من حديث أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين"، ورواه عن أنس قتادة وعبد العزيز بن صهيب، ورواه عن قتادة شعبة وسعيد، ورواه عن عبد العزيز إسماعيل بن علية وعبد الوارث، ورواه عن كلٍّ جماعة.
4- أشهر المصنفات فيه: لم يصنف العلماء مصنفات خاصة بالحديث العزيز، والظاهر ذلك لقلته، ولعدم حصول فائدة مهمة من تلك المصنفات، فهذا حديث يسمى "عزيزا"؛ لأنه لم يقل رواته عن اثنين في جميع طبقات السند، وإن زاد في بعض طبقات السند عن اثنين.
الغريب:
1- تعريفه: لغة: هو صفة مشبهة، بمعنى المنفرد، أو البعيد عن أقاربه، واصطلاحا: هو ما ينفرد بروايته راوٍ واحد.
2- شرح التعريف: أي هو الحديث الذي يستقل بروايته شخص واحد، إما في طبقة من طبقات السند، أو في بعض طبقات السند، ولو في واحدة، ولا تضر الزيادة على واحد في باقي طبقات السند؛ لأن العبرة للأقل.
3- تسمية ثانية له: يطلق كثير من العلماء على الغريب اسما آخر، هو "الفرد" على أنهما مترادفان، وغاير بعض العلماء بينهما، فجعل كلا منهما نوعا مستقلا، لكن الحافظ ابن حجر يعدهما مترادفين لغة، واصطلاحا، إلا أنه قال: إن أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته، فـ "الفرد" أكثر ما يطلقونه على "الفرد المطلق"، و"الغريب" أكثر ما يطلقونه على "الفرد النسبي".
نضع بين أيدي طلبة المستوى الثالث في برنامج الدراسات الإسلامية مقررا سهلا في مصطلح الحديث وعلومه، ييسر عليهم فهم قواعد هذا الفن ومصطلحاته، وذلك بتقسيم كل بحث إلى فقرات مرقمة متسلسلة، مبتدئا بتعريفه، ثم بمثاله، ثم بأقسامه مثلا ... مختتما بفقرة "أشهر المصنفات فيه" كل ذلك بعبارة سهلة، وأسلوب علمي واضح، ليس فيه تعقيد ولا غموض. وحرصنا أن لا نعرج في هذا المقرر على كثير من الخلافات والأقوال وبسط المسائل؛ مراعاة للحصص الزمنية القليلة المخصصة لهذا العلم في برنامج الدراسات الإسلامية، وسميناه "مادة مصطلح الحديث" ولسنا نرى أن هذا المقرر يغني عن كتب العلماء الأقدمين في هذا الفن، إنما قصدنا أن يكون مفتاحا لها، ومذكرا بما فيها، وميسرا للوصول إلى فهم معانيها. وتظل كتب الأئمة والعلماء الأقدمين مرجعا للعلماء والمتخصصين في هذا الفن، ومَعِينًا فَيَّاضًا ينهلون منه. ويتميز هذا المقرر بأمرين: 1- التقسيم؛ أي تقسيم كل بحث إلى فقرات مرقمة، مما يسهل على الطالب فهمه 2- التكامل في كل بحث، من حيث الهيكل العام للبحث، من ذكر التعريف، والمثال، و ... إلخ 3- الاستيعاب لجميع أبحاث المصطلح ما أمكن بشكل مختصر. وجعلنا المقرر مكونا من مقدمة، وأربعة أبواب: الباب الأول: في الخبر والباب الثاني: في الجرح والتعديل. والباب الثالث: في الرواية وأصولها. والباب الرابع: في الإسناد، ومعرفة الرواة.
إعطاء الطالب فكرة...
كتاب: تيسير مصطلح الحديث لمحمود طحان.