أوَّلاً: زَكَاةُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ
أنواع العرض والتِّجارة:ثَانِياَ: شُرُوطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارةِ
تجب الزكاة في عروض التجارة على كل من ملكها، مديراً كان أو محتكراً، إذا توفرت الشروط التالية:ثَالِثاً: كَيْفِيَّةُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ التِّجَارِيَّةِ
رَابِعاً: زَكَاةُ الدَّيْنِ
الدين إما أن يكون صاحبه مديراً أو محتكراً:أهداف الدرس
تمهيــــــد
لا شك أن الإسلام قائم على أساس أن الدين لا ينفصل عن واقع الحياة، وأنه يعمد إلى إسعاف الناس وضمان حاجتهم المعاشية؛ ومما يحقق ذلك إخراج الزكاة مما أنعم الله به على عباده من بهيمة الأنعام التي تعج من أعظم غناء.
فما هي طريقة إخراج زكاة الإبل؟ وما هو نصابها؟ وما الواجب فيها؟
النظــــــــــم
قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:
"في كل خمسة جمال جذعة....يهون"
الفهـــــــــم
الشرح
جذعة: من الضأن ما بلغ السنة الثانية، ما بلغ أربع سنوات ودخل في الخامسة.
ابنة اللبون: بنت الناقة إذا دخلت في السنة الثالثة.
استخلاص مضامين النظم:
التحليـــــل
يشتمل هذا الدرس على ما يلي:
أولا: زكاة الإبل:
تنقسم زكاة الإبل إلى قسمين:
لا زكاة في الإبل حتى تبلغ خمسا، فإذا بلغتها أخرجت زكاتها من غير جنسها، شاة عن كل خمس. وهكذا حتى تبلغ خمسا وعشرين. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله: (في كل خمسة جمال جذعة.....من غنم). وذلك وفق ما يلي:
فإذا بلغت الإبل خمسا وعشرين فما فوق وجب إخراج الزكاة من جنسها، وذلك حسب ما يلي:
عدد الإبل: من 25 إلى 35، الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها، والقدر الواجب إخراجه: بنت مخاض.
عدد الإبل: من 36 إلى 45: الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها، والقدر الواجب إخراجه: بنت لبون.
عدد الإبل: من 46 إلى 60: الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها، القدر الواجب إخراجه: حِقَّة.
عدد الإبل: من 61 إلى 75: الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها، والقدر الواجب إخراجه: جِذعة.
عدد الإبل: من 76 إلى 90: الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها، والقدر الواجب إخراجه: بنتا لبون.
عدد الإبل: من 91 إلى 120: الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها والقدر الواجب إخراجه: حِقتان.
عدد الإبل: من 121 إلى 129: الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها، والقدر الواجب إخراجه: 3 بنات لبون أو حِقتان.
عدد الإبل: 130: الحكم الشرعي: الزكاة من جنسها، والقدر الواجب إخراجه: حِقة وابنتا لبون.
فإذا تجاوزت الإبل مائة وثلاثين وجب إخراج حِقة عن كل خمسين ناقة، وبنت لبون عن كل أربعين، هكذا...
ثانيا: الدليل على زكاة الإبل
والدليل على زكاة الإبل حديث أنس رضي الله عنه: أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: "بسم الله الرحمان الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله؛ فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط؛ في أربع وعشرين من الإبل، فما دونها من الغنم، من خكس شاة؛ إذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى؛ فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى؛ فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل؛ فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة؛ فإذا بلغت يعني ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون؛ فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل؛ فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة؛ ومن لو يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربُّها؛ فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة". (صحيح البخاري، كتاب الزكتة، باب زكاة الغنم).
وفي ذلك قول الناظم:
(بنت المخاض مُقنعة إلى قوله: وهكذا ما زاد أمره يهون).
ومما يستفاد من هذا الدرس:
من مقاصد تشريع الزكاة في الإسلام دفع حاجة الفقير وسد خلته، وتحقيق الألفة والمودة بين المسلمين.
أهداف الدرس:
تمهيــــــــــد
من أصناف الأموال التي تحقق زكاتها التكافل الاجتماعي الأنعام، خصوصا البقر والغنم.
فما نصاب زكاة البقر؟ وما نصاب زكاة الغنم؟ وما السن والقدر الواجب إخراجه منهما؟
النظــــــــــم
قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:
"عجل تبيع في ثلاثين بقر..... أن ترفع"
الفهــــــــــم
شرح المفردات: تُستطر: تكتب؛ يقال: استطر أي كتب. تُظـــم: تُجمع.
استخلاص مضامين النظم:
التحليــــــل: يشتمل هذا الدرس على ما يلي:
أولا: أحكام زكاة البقر
لا زكاة في البقر إلى تسع وعشرين؛ فإذا بلغت ثلاثين وجب فيها عجل تَبيع، وإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة، وإذا بلغت ستين ففيها تبيعان، وإذا بلغت سبعين ففي كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة، وهكذا...
ويمكن تلخيص زكاة البقر كما يلي:
ودليل زكاة البقر ما رواه الترميذي عن معاذ بن جبل قال: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة" (سنن الترميذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة البقر)
وإلى حكم زكاة البقر أشار الناظم بقوله:
"عجل تبيع في ثلاثين بقر ... مسنة في أربعين تستطر ... وهكذا ما ارتفعت"
ثانيا: أحكام زكاة الغنم
لا زكاة في أقل من أربعين من الغنم؛
واللازم إخراجه في زكاة الأنعام إنما هو الوسط، فلا تؤخذ كرائم أموال الناس؛ كالبهائم التي تسمن لتؤكل ذكرا كانت أو أنثى، وكالفحل المعد للضراب، وكذات الولد، وذات اللبن؛ كما لا تؤخذ شرارها: كالسخلة، وهي الصغيرة، وكالعجفاء، وهي كالمريضة، وكذات العيب مطلقا.
ودليل وجوب زكاة الغنم حديث أنس رضي الله عنه في الصحيح وفيه: "... وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين الى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها" (صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم). وفي زكاة الغنم قال الناظم:
"ثم الغنم شاة لأربعين إلى قوله: شاة لكل مائة إن ترفع"
ومما يستفاد من هذا الدرس
عدل الإسلام في إخراج الوسط في زكاة الأنعام، حيث لا تؤخذ كرائم أموال الناس، كما لا تؤخذ شرارها وذوات العيوب منها.
أهدافُ الدَّرس:
تمهيدٌ:
أَوجَبَ الشَّرعُ الزكاة في الأُصولِ الماليَّةِ والأنعامِ، كما أوجَبَها فيما يَتْبَعُها مِنْ أرباحٍ ونَسْلٍ. واسْتَثْنى السَّادةُ المالكية مِن الزَّكاة أصنافاً؛ لِعَدَمِ اشتمالها على الشُّروط التي تُناطُ بها الزكاة.
فمَا حُكْمُ زكاة الأرباحِ والنَّسلِ؟ وما هيَ الأصنافُ التّي لا تُزَكّى؟
النَّظمُ:
وحول الأرباح ونسل كالأصول *** والطَّاري لا عمّا يُزَكَّى أن يحـول
ولا يُزكَّى وقص من النّعــم *** كذاك ما دون النصاب وليعُـم
وعسل فاكهة مع الخضـــر *** إذ هي في المقتات مما يدَّخـــر
شرح المفردات:
وَقَصٌّ: هو ما بينَ الفَرْضَيْنِ في زكاة الماشيةِ، المُقتاتُ: ما اتَّخَذَهُ النَّاسُ قوتاً لهم يقتاتونهُ ويعيشون بهِ، يُدَّخَرُ: يُخَبَّأُ؛ والمرادُ ما يطولُ بقاؤُهُ دون أَن يفسُدَ.
التَّحليل:
أوَّلاً: حَوْلُ رِبْحِ المال
الرِّبحُ: ما زادَ على ثمنِ الشَّيءِ المُشتَرى للتِّجارة بسبب البيع، والحَوْلُ المُعتَبَر في الرِّبح هو: حَوْلُ أصلِ هذا المال، ولا فَرق:
ثانياً: حولُ نَسلِ الأنْعَام
المُعتَبر في حَول نسل الأنعام هو حولُ أمهاتها. ولا فرقَ:
ثالثاً: ما لا يُزكّى
هناكَ أموالٌ لا تدخُلها الزَّكاةُ عندَ علماءِ المالكيَّة؛ منها:
(وعسلٌ فاكِهَةٌ مَعَ الخُضَر *** إِذْ هيَ في المُقْتاتِ مِمَّا يُدَّخر).
ممَّا يُستفادُ من هذا الدَّرس:
أهداف الدّرس:
تمهيدٌ:
قد يكون بعض الأصناف ناقصاً عن النصاب الذي تجب فيه الزكاة، وحتى لا يضيع حق الفقراء شرعت الشريعة ضم بعض الأصناف إلى بعضٍ.
فما الأصناف التي يضم بعضها لبعض؟ وما كيفية إخراج زكاتها؟
النَّظم:
ويحصل النِّصـاب من صنفين *** كذهب وفضة من عين
والضَّأنُ للمعز وبُخْتُ للعراب *** وبقر إلى الجواميس اصطحــاب
القمح للشَّعيرللسُّلتِ يُصـار *** كذا القطاني والزبيب والثمار
شرح المفردات:
الجواميسُ: مفردهُ جاموسٌ، نَوْعٌ مِن البقر بالمشرقِ، السُّلْتُ: نوعٌ مِن الشَّعير لا قِشْرَ لهُ، يُصارُ: يضمُّ بعضه إلى بعضٍ.
التحليل:
يشتمل هذا الدرس على ما يلي:
أولاً الضَّمُ بين أصنافِ الزكاةِ
لا يشترطُ في كمالِ النِّصاب كونُهُ من صنفٍ واحدٍ، بل لا فرقَ بين كونه من صنف واحد أو من صنفين أو أكثر، وذلك حسب التفصيل الآتي:
(ويحصُلُ النِّصـابُ مِن صنفين *** كذهبٍ وفضةٍ مِـــــن عينِ)
(والضَّأنُ للمَعْزِ وبُختٌ للعِرابْ *** وبَقَرٌ إلى الجواميس اصطحاب)
(والقَمْحُ للشَّعيرِ للسُّلْتِ يُصارْ *** كذا القطاني والزَّبيبُ والثِّمار)
ومِمّا يُستفادُ من هذا الدّرس:
أهداف الدرس:
تمهيد:
بيَّن القرآن الكريم الأصناف التي تصرف لها الزكاة حتى تصرف في وجوهِ المستحقين من أهل الفاقة والحاجة رعايةً لحقوقهم؛ سواءٌ في زكاةِ الأموالِ أو في زكاة الفطر اهتمّت الشريعة كذلك ببيانِ أحكامها وحكمها.
فما الأصناف التي تُصرَف لها الزَّكاةُ؟ وما هيَ أحكامُ زكاة الفِطر.
النَّظم:
قال الإمام ابن عاشرٍ رحمه الله:
مَصْــرِفهَا الفَقير والمسكينُ *** غازٍ وعتقُ عاملٌ مديــــنُ
مُؤلَّفُ القلبِ ومحتاجٌ غـريبْ *** أحرارٌ إسلامٌ ولم يُقبل مُريــب
فصل زكاة الفطر صاعُ ُ وتَجِب *** عَنْ مُسْلِمِ ومَنْ بِرِزْقِهِ طُلِبْ
مِنْ مُسْلِمٍ بِجُلِّ عَيْشِ القَــوْمِ *** لِتُغْنِ حُراً مُسلماً في اليـومِ
شرح المفردات:
مُريبٌ: مشكوكٌ في أَمْرِهِ، صاعٌ: الصَّاعُ أربعةُ أَمْدَادٍ (حَفَناتِ بيَدَيْنِ متوسِّطتينِ غَيْرِ مَقبوضتينِ ولا مبسوطَتَيْنِ).
التحليل:
أولاً: الأصنافُ التي تُصرف لها الزَّكاةُ
الذين تدفع لهم الزكاة هُمُ الأصناف الثمانيةُ المذكورونَ في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾((التوبة: 60)) ولا يُطلبُ دفع الزكاة لجميع الأصناف الثَّمانية، بل يجوزُ إعطاؤها لصنفٍ أو لصنفينِ، فاللامُ في قوله تعالى: ﴿للفقراء﴾ لبيان المصرف والاستحقاقِ للمِلك. وتفصيلُ الأصنافِ كالتّالي:
قالَ اللَّخميُّ: «من ادَّعى أنه فقيرٌ صُدِّق ما لم يَكُنْ حالُه يوحي بخِلاف ذلك، ومن ادَّعى أنَّ له عيالاً ليأخذَ لهم كُشِفَ عن حاله، وإن كانَ معروفاً بالمال كُلِّف بيانَ ذهابِ ماله». وعليه نبَّه الناظم بقوله: (ولَمْ يُقبَل مُريبْ).
ثانياً: أحكامُ زكاة الفِطر
زكاة الفطر صدقةٌ للفقراء والمساكين عند الفطر من رمضان، طُعمةً للمساكينِ وطُهرةً للصائم. وسميت زكاة الفطر؛ لأنّ الفطر من رمضان يومَ العيدِ سببٌ لوجوبها؛ وبيانُ أحكامها في الآتي:
زكاةُ الفطر واجبةٌ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «فرضَ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم زكاة الفطر صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعيرٍ على العبد والحر، والذّكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين...». ((صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب فرض صدقة الفطر)).
المقدار الذي يُخرج في زكاة الفطر صاعٌ؛ وهو: أربعةُ أمدادٍ من طعامٍ بمُدِّه عليه الصلاة والسلام؛ لحديثِ أبي سعيد الخُدريّ رضي الله عنه: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ».[صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر صاعاً من طعام]. وفي قدْرِهَا قال الناظم: (فَصْلُ زَكَاةُ الفِطر صاعٌ).
تجب على المسلم إذا قدر على أدائها؛ فيخرجها عن نفسه وعمَّن تلزمه نفقته من زوجة وأبوينِ وأولادٍ إذا كانوا مسلمينَ. وذلك قول الناظم: (وتَجِبْ *** عَن مسلمٍ ومَن برزقه طُلِب *** مِن مُسلمٍ) .
يخرجها المسلم من غالب قوت البلد؛ فإن كان قوته أفضل من قوت أهل البلد استُحِبَّ له أن يخرج منه ويجزئهُ؛ وإن كانَ دونَ قوت البلد أخرج مِن قوت البلد. وهذا ما أشار له النَّاظمُ بقوله: (بِجُلِّ عَيْشِ القَومِ).
تختصُّ زكاة الفطر بالفقير والمسكين، فلا تدفع للأصناف الأخرى؛ لأنها طُهرةٌ للصائمِ وطُعمَةٌ للمساكين.
المشهورُ في مذهب مالك أنها تخرج من قوت البلد؛ لكن تُجزئُ القيمةُ عمَّن أخرجها نقداً، وقد أصدرت الأمانةُ العامة للمجلس العلمي الأعلى فتوى تتضمن جواز إخراج زكاة الفطر بالقيمة.
في وقت إخراج زكاة الفطر قولان:
الأوَّلُ: إخراجُها بعد طلوعِ الفجر من يوم الفِطر إلى حين الغُدُوّ للمُصلّى؛ لحديث ابنِ عُمَرَ رضيَ الله عنهما: «أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلَّم أمَرَ بزكَاةِ الفِطْرِ قَبلَ خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاةِ»((صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة قبل العيد)).
الثَّاني: إخراجها قبل العيد بمدة يسيرةٍ كاليوم واليومينِ ونحو ذلك؛ لحديثِ البخاريِّ: «وكَانوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بيومٍ أَوْ يَوميْنِ»((صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة على الحر والمملوك)).
والمستحبّ إخراجها بعد طلوع الفجر وقبل الذهاب إلى المصلى.
لا تَسقُط زكاة الفطر عن المسلم بمضيّ زمنها، بل هيَ باقيةٌ في ذمّته أبداً حتى يخرجها ولو مضى عليها، ويأثمُ مَنْ أخَّرها عن يومِ العيد لغيرِ عذرٍ شرعيّ.
تُخرج زكاةُ الفطر حيثما صام الإنسان؛ ولا يُعدل عن ذلكَ إلاّ لحاجةٍ أو مصلحةٍ، ويستحب للمسافر إخراجها في المكان الذي هو فيه عن نفسه وعن أهله، فإن أخرجها أهله عنه أجزأه.
ومِمّا يستفاد من هذا الدرس:
أهداف الدّرس:
تمهيدٌ:
الصومُ من العبادات العظيمة؛ وهو نوعان: واجبٌ، وتطوّع؛ ومن الواجب صيام شهر رمضان، وقد وضع الشَّرع لثبوته علاماتٍ.
فما صيامُ الفرض؟ وما صيام التطوع؟ وما حكم صيام شهر رمضان؟ وما العلامات التي يثبتُ بها شهر رمضان؟
النَّظم:
قال الإمام ابنُ عاشر رحمه الله:
صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَبَا *** فِي رَجَبٍ شَعْبَانَ صَوْمٌ نُدِبَا
كَتِسْعِ حِجَّةٍ وَأَحْرَى الآخِرُ *** كَذَا الْمُحَرَّمُ وَأَحْرَى الْعَاشِرُ
وَيَثْبُتُ الشَّهْرُبِرُؤْيَةِ الْهِلاَلْ *** أَوْ بِثَلاَثِينَ قُبَيْلاً فِي كَمَالْ
شرح المفردات:
الهلالُ: القَمَرُ عندَ ما يبدو أوَّل الشهر، قُبيلاً: تصغيرُ قَبلَ، ضدّ بعد.
التّحليل:
أولاً: تعريفُ الصِّيام وحُكمه وأنواعه
في الشرع: الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله تعالى.
صيام شهر رمضان واجبٌ؛ لأنه ركن من أركان الإسلام. دليل ذلك قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ﴾((البقرة: 182-183))، وقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ ﴾((البقرة: 184))، وقوله صلى الله عليه وسلّم: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَان»((صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب قول النبي: بني الإسلام على خمس))، وإلى حكم صيام رمضان أشار الناظم بقوله: (صِيامُ شهرِ رمضانَ وَجَبا).
ثانياً: ثُبوتُ دُخول شهرِ رَمضان
يثبت دخول شهر رمضان برؤية الهلال رؤيةً مستفيضةً، أو بشهادة عدلين أنهما رأياهُ، أو بإكمالِ عدة شعبان ثلاثين يوماً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ»((صحيح البخاري، كتاب الصيام، باب قول النبي: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)).
وإلى بيان ما يثبتُ به دخول شهر رمضان يشير الناظم بقوله: (ويثْبُتُ الشَّهرُ برؤيةِ الهِلال *** أَوْ بثلاثينَ قُبَيْلاً في كَمَال).
ثالثاً: الصِّيامُ المُستحَبُّ
من الشهور التي يستحبّ الصوم فيها:
ممّا يستفادُ من هذا الدرس:
أهداف الدرس:
تمهيد:
مِن معالم الشريعة وأركان الإسلام صوم رمضان؛ ووجوبُه معلومٌ من الدِّين ضرورةً، وله فرائض وشروط وموانع.
فما فرائض صيام رمضان؟ وما شروطه؟ وما موانعه؟
النَّظمُ:
فَرْضُ الصِّيَامِ نِيَّةٌ بِلَيْلِه *** وَتَرْكُ وَطْءٍ شُرْبِهِ وَأَكْلِهِ
وَالْقَيْءِ مَعْ إِيصَالِ شَيْءٍ لِلْمَعِدْ *** مِنْ أُذُنٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ أَنْفٍ وَرَدْ
وَقْتَ طُلُوعِ فَجْرِهِ إِلَى الْغُرُوبْ *** وَالْعَقْلُ فِي أَوَّلِهِ شَرْطُ الْوُجُوبْ
وَلْيَقْضِ فَاقِدُهُ وَالْحَيْضُ مَنَعْ *** صَوْمًا وَتَقْضِي الْفَرْضَ إِنْ بِهِ ارْتَفَعْ
شرح المفردات:
القَيْءُ: يقالُ: قاءَ ما أَكَلَهُ، ألقاهُ مِن فمهِ، للمَعِدِ: جمعُ مَعِدَةٍ؛ وهيَ: موضعُ هَضْمِ الطَّعام قبل انحِدَارِهِ إلى الأمعاءِ.
التّحليل:
أولاً: فرائِضُ الصِّيام
الصيام سواء كان واجباً أو مندوباً، له فرائضُ لا يصحّ إلا بها، وهيَ:
ثانياً: شُروطُ الصِّيام
تتنوَّعُ شروط الصيام إلى ثلاثة أنواع:
أ. البلوغ؛ فلا يجبُ على من لم يبلغ حدّ التكليف؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «رُفِعَ القَلَمُ عَن ثلاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتَّى يَستَيْقِظَ، وعَنْ المُبْتَلى حتَّى يَبْرَأْ، وعن الصَّبِيِّ حتَّى يَكْبَر»((سنن أبي داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق)).
ب. الصِّحة؛ فلا يجبُ الصوم على المريض.
ج. الإقامة؛ فلا يجبُ على المسافر؛ لقوله تعالى: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ ﴾((البقرة: 183)).
أ. الإسلامُ؛ فلا يَصِحُّ الصيام من غير المسلم.
ب. الزَّمان القابل لوقوع الصوم الواجب؛ وهو شهرُ رمضان لا غيرُ.
أ. العقل؛ فلا يجب على المجنون والمعتوه ولا يصح منهما؛ لفقدان العقل. وذلك قول الناظم: (وذلك قول الناظم: (وَالْعَقْلُ فِي أَوَّلِهِ شَرْطُ الْوُجُوبْ وليَقضِ فاقدُهُ).
ب. النّقاء من دم الحيض والنفاس؛ فلا يجبُ الصوم على الحائضِ والنَّفساء ولا يصحّ منهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ»؟ قُلْنَ: بلى. قال: «فَذَلِكَ مِنْ نُقصانِ دينِهَا»((صحيح البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم)).
ج_ ثبوتُ دخول شهر رمضان؛ فلا يجبُ ممَّن صامه قبل دخوله؛ لأنه لم يجب عليه بعدُ.
ثالثاً: موانعُ الصِّيام
الحيضُ مانع من الصوم، سواء كان الصوم واجباً أو غير واجب؛ فإذا ارتفعَ الحيض وجب على المرأة قضاءُ صوم الفرض دون الصلاة؛ لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: «كانَ يُصيبُنا ذلكَ فَنُؤمَرُ بِقضاءِ الصَّومِ ولا نُؤمَرُ بقضاءِ الصَّلاةِ»((صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض...)).
وفي اعتبار الحيض مانعاً من الصوم قال الناظم: (................ والحيضُ مَنَعْ *** صَوْماً وتَقْضي الفَرْضَ إِنْ بِهِ ارتَفَع).
ومما يستفاد من هذا الدرس:
أهداف الدرس:
تمهيد:
يمتنع المسلمون في شهر رمضان المفطرات نهارا، غير أنه قد يصدر من بعض الناس مكروهات تتنافى وقُدسية الصيام في رمضان، أو أمور يغتفر وقوعها في الصيام.
فما مكروهات الصيام؟ وما الأشياء المغتفرة في الصيام؟
النظم:
قال الإمام ابن عاشر رحمه اللهُ:
وَيُكْرَهُ اللَّمْسُ وَفِكْرٌ سَلِمَا *** دَأْبًا مِنَ الْمَذْيِ وَإِلاَّ حَرُمَا
وَكَرِهُوا ذَوْقَ كَقِدْرٍ وَهَذَرْ *** غَالِبُ قَيْءٍ وَذُبَابٍ مُغْتَفَرْ
غُبَارُ صَانِعٍ وَطُرْقٍ وَسِوَاكْ *** يَابِسٌ اصْبَاحُ جَنَابَةٍ كَذَاكْ
الشرح:
اللَّمسُ: المَسُّ باليدِ، يقالُ: لمَسَهُ إذا مسّهُ، هَذَرٌ: الهَذَرُ، الكلامُ الذي لاَ يُعْبَأُ به ولا فائدةَ منهُ مِثلُ الهَذَيانِ.
التحليل:
أولاً: مكروهاتُ الصِّيام
مكروهات الصيام؛ هيَ: الأمور التي يكره للصائم فعلها في نهار رمضان، ولكن يبقى صيامه صحيحاً؛ وهيَ:
قال مالكٌ: «لا أحِبُّ للصائِمِ أَنْ يُقَبِّل، فإن قَبَّلَ في رمضانَ فأنزل فعليه القضاء والكفارة، وإنْ قبَّل فأمْذَى فعليه القضاءُ ولا كَفَّارةَ عليه»((الاستذكار، ج:3 ص:293)). وإلى حكم اللَّمس في نهار رمضان أشار الناظم بقوله: (وَيُكْرَهُ اللَّمْسُ وَفِكْرٌ سَلِمَا *** دَأْبًا مِنَ الْمَذْيِ وَإِلاَّ حَرُمَا).
كما يجبُ عليه أن يتجنب الكلام المحرم مثل: الغيبة والنميمة والكذب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْل فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»((صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم)). وفي ذوق الطعام وهذَرِ الكلام قال النّاظم: (وكَرِهوا ذوْقَ كقِدْرٍ وهَذَرْ).
ثانياً: مغتفراتُ الصِّيام
هناكَ أمورٌ اغتفر الشّرع وقوعها أو صدورها مِن الصائم؛ وهيَ:
وفي هذه الأمور قال النَّاظم: (غَالِبُ قَيْءٍ وَذُبَابٍ مُغْتَفَرْ *** غُبَارُ صَانِعٍ وَطُرْقٍ وَسِوَاكْ *** يَابِسٌ اصْبَاحُ جَنَابَةٍ كَذَاكْ)
ومما يستفاد من الدرس:
أهداف الدرس:
تمهيدٌ:
وضعت الشَّريعة للصوم فرائض وشروطاً بها يُعدُّ صحيحاً، ومندوبات بها يبرُز كماله وجماله، ويسرت القيام بكل ذلك، كما يُلحظُ في الاكتفاء بنية واحدة أو الشهر لصيام كل أيام أيام شهر رمضان.
فما حكم النية عند صيام شهر رمضان؟ وما مندوبات الصيام؟
النّظم:
قال الإمامُ ابن عاشرٍ رحمه الله:
وَنِيَّةٌ تَكْفِي لِمَا تَتَابَعُهْ *** يَجِبُ إِلاَّ إِنْ نَفَاهُ مَانِعُهْ
نُدِبَ تَعْجِيلٌ لِفِطْرٍ رَفَعَهْ *** كَذَاكَ تَأْخِيرُ سُحُورٍ تَبِعَهْ
شرح المفردات:
سَحورٌ: -بفتح السين- ما يُؤْكَلُ ويُشْرَبُ وقتَ السَّحر اسْتِعداداً للإِمساكِ، وبالضَّم: اسمٌ للأكل.
التحليل:
أولاً: حكمُ النِّية في تَتَابُع الصِّيام
مِن فرائض الصِّيام: النِّية؛ ويختلف حكمها حسب التفصيل الآتي:
وفي النية في الصيام الواجبِ التّتابعِ قال الناظم: (وَنِيَّةٌ تَكْفِي لِمَا تَتَابَعُهْ *** يَجِبُ إِلاَّ إِنْ نَفَاهُ مَانِعُهْ)
ثانياً: مَنْدوباتُ الصِّيام
يُندب للصائم أمورٌ:
ولا يجوز التعجيلُ مع الشَّك في غروب الشمس، لأن الصوم كان بيقينٍ فلا يزول إلا بيقينٍ؛ فمن شكّ في الغروب حَرُمَ عليه الأكل اتِّفاقاً؛ فإنْ أَكَل ولم يتحقّق من الغروب فعليه القَضاءُ، كما قال في المُدَوَّنة: «ومَنْ ظَنَّ أنَّ الشَّمسَ غَرَبَت، فأَكَلَ في رمضانَ ثمَّ طَلَعَتْ، فلْيَقضِ».
ومِمّا يستفاد من الدّرس:
أهدافُ الدرس:
تمهيدٌ:
قد يقع الصائم في الإفطار سهواً، وقد تعترضُهُ أمورٌ يُفطِر معها جهلاً أو عمْداً أو ترخيصاً، مِمَّا يترتّب عليه القضاء فقط، أو القضاءُ والكفارة.
فما أسبابُ القضاء؟ وما الكفَّارة؟ وما الأعذارُ المبيحة للإفطار؟
النَّظم:
قال الإمام ابنُ عاشر رحمه الله:
مَنْ أَفطَرَ قَضَاهُ ولْيَزِدْ *** كَفَّارةً في رمضانَ إنْ عَمَدْ
لأكلِ أو شُرْبِ فمٍ أو للمَنِي *** ولَوْ بِفِكْرٍ أو لِرَفْضِ ما بُنِي
بِلاَ تأَوُّلٍ قريبٍ ويُباحْ *** للضُّرِّ أو سَفَرِ قَصْرٍ أَيْ مُباحْ
شرح المفردَات:
كَفَّارةً: ما يَكَفَّرُ بهِ الإِثْمُ، يُباحُ: يجوزُ، يُقالُ: أباحَ الشَّيءَ: إذا أَجازهُ.
التّحليل:
أولاً: أحكَامُ القَضاءِ والكَفَّارة
مَن أفطَرَ في الصَّومِ الفَرض سواء كان ذلك الفرض رمضان أو غيره كالنّذر، فحكمه على التفصيل الآتي:
1. الإفطارُ نسياناً أو غلطاً
فمَن أفطر نسياناً أو غلطاً في التَّقدير؛ كَأنْ يعتقد غَروبَ الشمس أو عدم طلوع الفجر أو يخطئ في الحساب أول الشهر أو آخره، وجب عليه قضاء ما أفطر عليه فقط، ولا كفَّارة عليه.2. الإفطار عمداً
والعمْدُ على نوعينِ:فهذا يجب عليه فيه القضاء فقط؛ قال النّاظم: (مَنْ أَفْطَرَ الفَرْضَ قَضَاهُ).
وذلكَ كمن جامع زوجته في رمضان عندا بدون سبب، أو تعمد في رمضان وهو مختار غير مضطر فأكل أو شرب، أو تعمّد رفض نية الصيام، فهذا يجبُ عليه القضاءُ والكفَّارة؛ لانتهاكِه حُرمة رمضان؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بَيْنَما نحنُ جُلوسٌ عِندَ النَّبي صلى الله عليه وسلَّم، إذْ جاءَهُ رجلٌ فقالَ: يا رسولَ الله هَلَكْتُ. قال: «مَا لكَ؟» قال: وقعتُ على امْرأَتي وأنا صائِمٌ، فقالَ رسول الله: «هلْ تَجِدُ رَقَبةً تَعتِقُها؟» قال: لا، قال: «فهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصومَ شَهرينِ مَتتابعَيْنِ»، قال: لا، فقال: «فَهَلْ تَجِدُ إطعامَ سِتِّينَ مِسكيناً». قال: «أينَ السَّائلُ؟» فقالَ: أنا، قال: «خُذْ هذا، فتَصَدَّقْ بِهِ»، فقال الرَّجلُ: أَعَلى أفْقَرَ مِنِّي يا رسول الله؟ فواللهِ ما بينَ لابَتَيْها-يريدُ الحرَّتَيْنِ-أهلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أهْلِ بيتي. فَضَحِكَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم حتى بَدَتْ أَنْيابُهُ، ثمَّ قال: «أَطْعِمْهُ أهلكَ»((صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب إذا جامعَ في نهارِ رمضان)). ويُلْحَقُ الأكلُ والشُّربُ عمْداً بِالجِماعِ الواردِ في نصِّ الحديث؛ لأنّ العلَّةَ هي انتهاكُ حُرمة رمضان.
ويشترطُ في كفَّارة مَن أفطر في رمضان عَمْداً بدون سَبَبٍ أَنْ يكونَ غيرَ متأَوِّلٍ ولا جاهِلٍ؛ والتأويلُ نوعان:
ولا يعدّ هذا تأويلاً إذا كانَ يعلم الحكم الشَّرعي في المسألة.
فهؤلاء جميعاً عليهم القضاء والكَفَّارة؛ لأن تأويلهم بعيدٌ. وفي حكم من تعمّد الفِطْر في صيامِ رمضان قال النَّاظمُ: (ولْيَزِدْ *** كفَّارةً في رمضان...إلى بلا تأوُّلٍ قريبٍ).
ثانياً: مُبيحاتُ الإفطار
يُباحُ للصائِمِ أن يُفطر لأحد أمرين:
وفي مبيحات الإفطار قال الناظم: (ويُباحْ للضُّرِّ أو سفَرِ قَصْرٍ أيْ مُباحْ).
ومِمَّا يُستفادُ من هذا الدرس:
أهدافُ الدَّرس
تمهيدٌ
من المعلوم قول المالكِيّة بمنع قطع صيام النفل لغير عذر، بوجوب الكفارة على وجه التخيير على مَن تعمّد الفِطر في نهر رمضان.
فما حكم من أفطر في صيام النّفل؟ وما هي أنواع الكفَّارة لمَن تعمّد الفِطر في نهار رمضان؟
النَّظم
قال الإمامُ ابنُ عاشِرٍ رحمه الله:
وَعَمْدُهُ في النَّفْلِ دونَ ضُــرِّ ***مُحَرَّمٌ وَلْيَقْضِ لا في الغَيْــــرِ
وَكَفَّرَن بِصَـوْمِ شَهْرَيْنِ وِلا *** أوْعِتْق مَمْلوكِ ِ بالإسلام حَــلاَ
وَفَضَّلُوا إطْعامَ ستِّينَ فقـــيرْ *** مُدَّا لِمِسْكينٍ مِــنَ العَيْشِ الكَثير
شرحُ المفردات
وِلاَ: الوِلاَءُ والتَّتبُّع، يقالُ: وإلى الشَّيءِ تابعهُ، الكثير: الغالِبِ عندَ أهلِ البَلَدِ.
التّحليل
أولاً: حُكْمُ القضاءِ في صيامِ النَّفل
من المسائل المقررة في المذهب المالكيّ أن نافلة الصوم تلزم بالشُّروع فيها، وأن من قطعها عمدا لغير ضرورة لزمه قضاؤها. وعليه فمن شرع صيام نفلٍ فلا يجوزُ لهُ الفِطرُ لغير عذرٍ؛ فإن أفطر فحكمه كالتَّالي:
وفي القضاء في صيام النَّفل قال الناظمُ:
(وَعَمْدُهُ في النَّفْلِ دونَ ضُــرِّ ***مُحَرَّمٌ وَلْيَقْضِ لا في الغَيْــــرِ)
ثانياً: أنواعُ الكفّارة
على كُلِّ من وجبت عليه الكفارة أن يكفِّر بأحد أمور:
صومُ شَهرينِ متتابعَينِ؛ ويجبُ على المُكفِّرِ أن ينويَ الكفَّارةَ والتَّتابعَ؛ لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم اشترطَ التَّتابعَ عندما قال للَّذي جامَع: «فهَلْ تَسْتَطيعُ أَنْ تَصومَ شهرينِ مُتَتابِعينِ؟»((صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب إذا جامع في نهار رمضان)).
عِتْقُ رَقبةٍ مُؤمنة؛ وقد عمل الإسلام على إنهاء الرِّق بالإعتاق الواجِبِ والمندوبِ رعايةً لكرامة الإنسانِ وحُقوقِه.
إطعامُ ستِّينَ مِسكيناً؛ مُدّا لكل مِسكينٍ بمُدِّ النبي صلى الله عليه وسلَّم، مِنْ غالبِ عيشِ أهل ذلكَ الموضِع؛ ويُساوي حوالي (543 غراماً).
والإِطعَامُ: أفضلُ مِمَّا قبله؛ لأنَّه أعمّ نفعاً، ولوروده في الحديث. ويستوي مَن أكَلَ عمداً في رمضان بالمُجامِعِ في الكفَّارة مع القضاء؛ لأنهما سواءٌ في انتهاكِ حُرمة رمضان. وإلى حُكم الكفَارة وبيانِ الأفضل منها أشارَ النَّاظمُ بقوله:
(وَكَفَّرَن بِصَـوْمِ شَهْرَيْنِ وِلا *** إلى: مُدَّا لِمِسْكينٍ مِــنَ العَيْشِ الكَثير).
مِمّا يستفادُ من الدرس:
أهداف الدّرس
تمهيد
إذا كان كل من الصلاة والصوم عبادة بدنية والزكاة عبادة ماليَّة فإن الحج قد جمع بينهما؛ فلذلك كان في ختم أركان الإسلام به حكمة بليغة.
فما هو الحجّ؟ وما حكمه؟ وما أركانه؟ وما شروطه؟
النَّظم
قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:
الْحَجُّ فَرْضٌ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ *** أَرْكَانُهُ إِنْ تُرِكَتْ لَمْ تُجْبَرِ
الاِحْرَامُ وَالسَّعْيُ وُقُوفُ عَرَفَةْ *** لَيْلَةَ الأَضْحَى وَالطَّوَافُ رَدِفَهْ
شرح المفردات
الاِحْرَامُ: نيَّةُ الدُّخول في النُّسُك.
تُجْبَرْ: تُسْتَدْرَك.
التحليل
أولاً: تعريف الحجّ وَحُكمُهُ
الحجّ لغةً: القصد والزِّيارة؛ وقيلَ: تكرارُ القصدِ والزِّيارة. وشرعاً: عبادةٌ ذاتُ إِحرامٍ وطوافٍ وسعيٍ ووقوفٍ بعَرفة. وهو خاتمةُ أركان الإسلام الخمسة.
الحجّ فرضٌ واجب على المكلَّف المستطيع مرة في العمر، ثم يستحبّ بعد المرة الأولى. والحِكمةُ في كونه مرة في العمر: ما فيه من زيادة المشقة والحرج، ولا سيَّما من البلاد البعيدة.
والأصلُ في وُجُوبه قوله تعالىٰ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ ﴾((آل عمران: 97))، وقوله صلى الله عليه وسلّم في خطبته: «إنَّ الله قَدْ فَرضَ عَلَيْكُمْ الحَجَّ، فَحُجُّوا»((صحيح مسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، ج4 ص 102))، وإجماعُ المسلمين على وُجوبه.
وقد جاءَ في فضل الحجِّ قوله صلى الله عليه وسلَّم: «مَنْ حَجَّ هذا البَيْتَ فَلَمْ يَرفُثْ ولَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كما وَلَدْتُهُ أُمُّهُ»((صحيح البخاري كتاب الحجّ، باب قول الله تعالى: ﴿فلا رفث﴾)).
ثانياً: أنواعُ الإِحرامِ
أنواعُ الإحرام ثلاثة، وهي: الإفرادُ، والقِرانُ، التَّمتع؛ وهي جائزةٌ بلا خِلافٍ، وأفضلها الإفراد في المذهب، وعليه نظْمُ ابنِ عاشرٍ هنا.
أ. الإفرادُ: أن يحرم بالحجّ وحده، ثمّ إذا فرغ يُسَنُّ له أَن يُحرِم بعمرةٍ، وإنْ شاء أخَّر العمرة؛ لأنَّ الإفرادَ لا يتوقَّف على عمرةٍ لا قبله ولا بعدهُ، بخلافِ القِران والتَّمتع فلا بدّ في تحقّقهما مِن فعل عمرة.
ب. القِرانُ: أن يحرم بالحج والعمرة معاً أو يقدم العمرة في نيته ثم يردف عليها الحج فيطوف ويسعى عن الحجِّ والعمرة، فتدخُل العمرة في الحجِّ، ويبقى مُحرِما حتى يكمل حجَّه. وعليه الهدي إن كان غريباً، وإن كان مكِّيا فلا هديَ عليه.
ج. التَّمتع: أن يعتمرَ في أشهر الحجِّ مَن حَجّ مِنْ عامِه؛ فيكون قد تمتع بإسقاط سفر الحج حيثُ لم يرجع إلى بلده. وعليه الهديُ إن لم يكن من أهل مكَّة أو ذي طُوى فإن لم يجد هدْياً صام ثلاثة أيام في الحجِّ وسبعةً إذا رجع إلى بلده. والإحرام بالتّمتع في هذا العصر أيسَرُ لكون الحاجّ لا يتحكّم في الرحلة، ممّا يؤدّي إلى قدرٍ مِن المشقّة في الإفرادِ إلاّ لمن تأخر في الوصول إلى مكة والله أعلم.
ثالثاً: أركَانُ الحَجِّ
للحجِّ أركانٌ إِنْ تُركت كلُّها أو تُرِكَ واحدٌ منها لم يتمّ الحَجّ، ولم يُجبَر ذلك المتروكُ بذبحِ الهَدي؛ إذْ لا يُجبَرُ بالهدي إلاَّ الواجباتُ غير الأركانِ.
وأركانُ الحجِّ هي:
والوقوف الرُّكنيُّ إنَّما هو الواقع باللَّيل؛ وأمَّا الوقوف نهاراً فواجبٌ فقط يُجْبَر تركُه بالدَّم. وذلكَ كُلُّه قول النّاظم: (الإحرامُ والسَّعيُ وقوفُ عَرَفة…).
وأركانُ الحجّ على ثلاثةِ أقسامٍ:
رابعاً: شروطُ الحَجِّ
شروطُ الحجّ قسمانِ: شروطُ وجوبٍ، وشروطُ صِحَّة:والاستطاعةُ: إمكانُ الوصولِ إلى مكَّة بلا مشقّة عظيمة، بالقدرة على المشيِ أو الرُّكوب، وتيسر الزَّاد، والأمن على النَّفْس والمال، والقدرة على أداءِ الصلاة دون إخلالٍ بها وبأوقاتها، وعدم إضاعةِ من تَلْزَمُهُ نَفقتُهم.
ويُزادُ للمرأة في شرط الاستطاعة وجودُ زوجٍ أو محرَمٍ، فإنْ لم يوجَد فَرُفقةٌ مأمونةٌ في حجَّة الفريضة؛ أمّا في حجّة التطوع، فلا بُدّ مِن زوجٍ أو محرمٍ.
مما يُستفاد مِن هذا الدّرس
أهداف الدّرس
تمهيد
للحجِّ واجباتٌ، هيَ دون الأركان في قوة الطلب، وفي أثر الإخلال بها؛ لكنها تشاركها في كونها مطلوبةَ الفِعل على وجه الإلزام؛ ومنها المواقيتُ التي شُرِعَ منها إحرامُ كلِّ بلدٍ بحسب ما يتيسَّر لهُ ويستقبلهُ في طريقه.
فما واجباتُ الحجِّ؟ وما مواقيتُ الإحرامِ بالحجِّ؟
النَّظم
قال الإمام ابن عاشرٍ رحمه الله:
وَالْوَاجِبَاتُ غَيْرَ الاَرْكَانِ بِدَمْ *** قَدْ جُبِرَتْ مِنْهَا طَوَافُ مَنْ قَدِمْ
وَوَصْلُهُ بِالسَّعْيِ مَشْيٌ فِيهِمَا *** وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ إِنْ تَحَتَّمَا
نُزُولُ مُزْدَلِفَ فِي رُجُوعِنَا *** مَبِيتُ لَيْلاَتٍ ثَلاَثٍ بِمِنَى
إِحْرَامُ مِيقَاتٍ فَذُو الْحُلَيْفَةْ *** لِطَيْبَ لِلشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةْ
قَرْنٌ لِنَجْدٍ ذَاتُ عِرْقٍ لِلْعِرَاقْ *** يَلَمْلَمُ الْيَمَنُ آتِيهَا وِفَاقْ
تَجَرُّدٌ مِنَ الْمَخِيطِ تَلْبِيــَه *** وَالْحَلْقُ مَعْ رَمْيِ الْجِمَارِ تَوْفِيَه
شرح المُفردات
جُبِرَتْ: استُدْرِكَ نقصُها وخَلَلُها، مِيقاتٍ: الميقاتُ: المَوْضِعُ المُحدَّدُ للإحرام، وِفَاقْ: موافِقٌ لأهْلِها في الإحرامِ بها، تَلْبِيهْ: قولُ لبّيك اللهمَ لبَّيكَ...
التحليل:
أولاً: واجباتُ الحجِّ
تنقَسِمُ أفعال الحجِّ إلى ثلاثة أقسامٍ كالآتي:
أمَّا الأركان فقد تقدَّمت؛ وأمّا السُّنن فكغُسلِ الإحرامِ، وكونِه إثر صلاةٍ؛ والقصدِ إلى مكّة عقِبَ الإحرام، وتقبيل الحجر الأسود، وستأتي؛ وأما الواجبات المُنجبرة بالدم فقد عدها الناظم أحد عشر فعلاً، وهيَ:
والركوبُ في هذا العصر يُقصد به ركوب العربة المتحركة المعروفة.
ومِن واجبات الحجّ المُنجَبِرة بالدّم مما لم يذكره النَّاظم رحمه اللهُ: الجَمْعُ بعرفَةَ والمُزْدَلِفة (جمع الظُّهر والعصر بعرفة جمعُ تقديمٍ، وجمعُ المَغرب والعِشاء بالمُزدلِفةِ جمعُ تأخيرٍ).
ثانياً: مواقيتُ الإحرامِ
فلا يجوزُ مجاوزةُ هذه الأماكِنِ لمن يريد الحجّ والعمرة إلا وهوَ مُحرِمٌ، لحديثِ عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قالَ: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ»، قَالَ عبد الله: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلَّم قَالَ: «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ»((صحيح مسلم، كتاب الحجّ، باب مواقيت الحجّ والعمرة)).
وأوَّلُ الميقاتِ أفضَلُ، ويُكرَهُ تقديمُهُ، ومَنْ قدَّمَه لَزِمَهُ؛ ولا كراهةَ في حقِّ مَن قدَّمَهُ لضرورةٍ، كمَنْ كان على مَتْنِ الطَّائرةِ، ولَنْ ينزلَ إلاَّ بعدَ الميقاتِ.
ويُحرِمُ مِنْ هذه المواقيتِ من مرَّ بها مِن أهلها، ومن غير أهلها، كما قالَ النَّاظمُ: (آتيهَا وِفَاقْ)، إلاّ أهلَ الشام ومِصْرَ ومَن وراءَهُم كالمَغربِ إذا مَرُّوا بذي الحُلَيفةِ، لأنَّهُ ميقاتُهُ صلى الله عليه وسلَّم.
ومَنْ أحرمَ بالعُمرةِ أو بالحجّ قارناً وهو بمكَّة فلابدّ أن يخرُجَ إلى الحِلِّ، والأفضلُ الجِعِرَّانةُ ثمَّ التَّنعيمُ، كما قالَ النَّاظِمُ: (وفي التَّنْعيمِ نَدْباً أحْرِمَا).
ممَّا يستفادُ من هذا الدّرس:
أهداف الدَّرس
تمهيدٌ
الطَّواف من أهم أعمال الحجّ؛ وهو متعدِّد من حيث النوع، مختلف من حيث الحكم، متحد من حيث الصفة إلا في أشياء يسيرة.
فما صفة العمل في الطواف؟ وما أحكامُ أعمال الطواف؟
النَّظم
قال الإمام ابن عاشِر رحمه الله:
إذا وصلت للبيوت فاتركا *** تلبية وكل شغل واسلكا
للبيت من باب السلام واستلم *** الحجر الأسود كبِّر وأتم
سبعة أشواط به وقد يَسَر *** وكبِّرنْ مقبِّلاً ذاك الحجر
متى تحاذيه كذا اليماني *** لكن ذا باليدِ خذ بيانِ
إن لم تصل للحجر ألمس باليد *** وضع على الفم وكبِّر تقتدي
وارمل ثلاثا وامش بعد أربعا *** خلف المقام ركعتين أوقعا
وادع بما شئت لدى الملتزم *** والحجر الأسود بعد استلمِ
شرحُ المفردات
أشواطٌ: جمعُ شوطٍ، وهو دورةٌ كاملةٌ حول الكعبة، يَسَر: كان على اليسار، المَلتَزَم: ما بين باب الكعبة والحجر الأسود.
التحليل
أولاً: آداب دخول مكة والمسجد الحرام
عند وصول المحرم إلى بيوت مكة والبيت الحرام يقوم بأمور، وهي:
ثانياً: صفة العمل في الطَّواف
أعظمُ مقصود عندما يصل المُحرِم إلى مكة هو الطواف بالبيت فيقصد إلى الطواف بلا ركعتي التحية إلاّ أَن تحضر الصلاة المكتوبة فيصلّي، ثم يطوف كما يلي:
ثالثاً: أحكامُ الطواف
واجبات الطواف؛ للطوافِ واجباتٌ، وهيَ: طهارة الحَدَث، وطهارة الخَبث، وستر العورة، والبدء بالحجر الأسود، وإكمال سبعة أشواطٍ، وموالاةُ الأشواط، وكون الطواف داخل المسجد، وخارجاً عن الشَّاذِرْوان وعن ستّة أَذرعٍ من الحِجْر، وكونُ البيت عن يساره. فمَن تركَ أحدها لم يصحَّ طوافه إلاّ طهارة الخَبث، وستر العورة؛ فمَن طاف بالنجاسة سهواً وذكر الطواف نزعها وبنى؛ وكذلك ستر العورة.
ومن طاف محدثاً أعاد الطَّواف؛ فعن عائشة رضي الله عنها أنَّ النّبي صلى الله عليه وسلَّم قال لها حينَ حاضت: «افعلي كما يفعَلُ الحاجُّ، غيرَ أَنْ تَطُوفي بالبيْتِ حتى تطهُري»((سنن أبن ماجة، كتاب المناسك)).
سنن الطّواف؛ يُسَنّ في الطواف أربع سنن وهيَ:تقبيل الحجر الأسود أوّل الطواف؛ ولمسُ الركن اليمانيّ في الشوط الأول فقط؛ والدعاء مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلَّم وما في معناهما؛ والرَّمَل للرجال لا للنِّساء في طوافِ القُدوم، أو طوافِ الإفاضة للمُراهِق.
مما يستفاد من هذا الدرس:
أهداف الدَّرس
تمهيد
السَّعي بين الصفا والمروة من أركان الحجّ، وكذلك العمرة، ومن اللَّازِمِ أن يكونَ بعد طواف صحيح.
فما صفة السَّعي بين الصفا والمروة؟ وما أحكام الأعمال فيه؟
النَّظم
قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:
واخرج إلى الصفا فقف مستقبلا *** عليه ثم كبِّرن وهلِّلا
واسعى لمروة فقف مثل الصفا *** وخُبّ في بطن المسيل ذا اقتفا
أربعَ وقفات بكلّ منهما *** تقف والأشواط سبعا تمِّما
وادعُ بما شئت بسعيٍ وطواف *** بالصفا ومروةٍ مع اعتراف
ويجب الطهران والسترُ على *** من طاف ندبُها بسعيٍ اجتلى
وعد فلبِّي لمصلَّى عرفه *** وخطبة السابع تأتي للصفه
شرح المفردات
خُبَّ: فعل أمر من خَبَّ؛ والخَبَبُ: السرعة في المَشيِ، اقْتِفَا: المرادُ: اقتِفاءٍ، أيْ اتِّباعٍ، لَبِّ: فعل أمرٍ مِنْ لَبَّى يُلَبِّي، أي أَجابَ يُجيبُ.
التحليل
أوَّلا: صفة العمل في السعي بين الصَّفا والمروة
ثمّ بعد الفراغ من السعي يقوم بما يلي:
ثانياً: أحكام السعي بين الصفا والمروة
مِن أحكام السعي بين الصفا والمروة:
ومما يستفاد من هذا الدّرس:
أهداف الدَّرس
تمهيدٌ
تقدم بيان صفة العمل في الحجِّ إلى حدود اليوم السَّابع من ذي الحجة؛ وبقيَ من الأعمال ما يتعلَّق باليوم الثامن والتاسع وما بعدهما.
فما صفةُ العمل في الخروج إلى منىً ثامن ذي الحجة؟ وما كيفية الوقوف بعرفة في يوم التاسع؟ وما أحكام هذه الأعمال؟
النّظم
وَثَامِنَ الشَّهْرِاخْرُجَنَّ لِمِنَى *** بِعَرَفَاتٍ تَاسِعًا نُزُولُنَا
وَاغْتَسِلَنْ قُرْبَ الزَّوَالِ وَاحْضُرَا *** الْخُطْبَتَيْنِ وَاجْمَعَنَّ وَاقْصُرَا
ظُهْرَيْكَ ثُمَّ الْجَبَلَ اصْعَدْ رَاكِبَا *** عَلَى وُضُوءٍ ثُمَّكُنْ مُوَاظِبَا
عَلَى الدُّعَا مُهَلِّلاً مُبْتَهِلاً *** مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيْ مُسْتَقْبِلاً
هُنَيْهَةً بَعْدَ غُرُوبِهَا تَقِفْ *** وَانْفِرْ لِمُزْدَلِفَةٍ وَتَنْصَرِفْ
فِي الْمَأْزَمَيْنِ الْعَلَمَيْنِ نَكِّبِ *** ........................
شرح المفردات
هُنيهةً: وقتاً قليلاً، انفِرْ: اذهَب بِسُرعةٍ؛ وفي المصباح: نفروا إلى الشيءِ أسرعوا إليه، العَلَمينِ: الجَبلين.
التحليل
أولاً: صفةُ العمل في الخروج إلى منى والوقوف بعرفة
يقومُ الحَاجّ يوم التروية بما يلي:
ثانياً: أحكام أعمال الخروج إلى منىً والوقوف بعرفة
مِن أحكام هذه الأعمال:
ومما يستفادُ من هذا الدرس:
أهداف الدرس
تمهيد
بقيت طائفةٌ مِن المناسِكِ، منها: المبيتُ بمزدلفة وأعمالها، وأعمال منىً ويوم النَّحر.
فما صفةُ العمل في مزدلفة ومنىً ويوم النحر؟ وما أحكام هذه الأعمال؟
النّظم
قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:
..................... *** وَاقْصُرْ بِهاَ وَاجْمَعْ عِشًا لِمَغْرِبِ
وَاحْطُطْ وَبِتْ بِهَا وَأَحْيِ لَيْلَتَكْ *** وَصَلِّ صُبْحَكَ وَغَلِّسْ رِحْلَتَكْ
قِفْ وَادْعُ بِالْمَشْعَرِ لِلإِسْفَار *** وَأَسْرِعَنْفِي بَطْنِ وَادِي النَّارِ
وَسِرْ كَمَا تَكُونُ لِلْعَقَبَةِ *** فَارْمِ لَدَيْهَا بِحِجَارٍ سَبْعَةِ
مِنْ أَسْفَلٍ تُسَاقُ مِنْ مُزْدَلِفَه *** كَالْفُولِ وَانْحَرْ هَدْيًا انْ بِعَرَفَه
أَوْقَفَتْهُ وَاحْلِقْ وَسِرْ للبيتِ *** فطُفْ مِثْلَ ذَاكَ النَّعْتِ
وَارْجِعْ فَصَلِّ الظُّهْرَ فِي مِنًى وَبِتْ ***..................
شرح المُفردات
واحْطُطْ: ضَعْ رِحالَكَ، المَشْعَر: اسمٌ لمُزْدَلِفة، والمرادُ به هنا موضِعٌ بأطرَافِ مُزدلفة جهةَ مِنىً، بطْنِ وادي النَّار: وادٍ بين مُزدلفة ومِنىً.
التحليل
أولاً: الأعمال في مزدلفة ومنىً ويوم النحر
وفي هذه الأعمال قال الناظم: (واقصُر بها واجْمَع عِشا لمغربِ *** واحطُطْ وبتْ بها وأحْي ليلتكَ *** وصلِّ صُبحك).
ثانياً: أحكام الأعمال في مزدلفة ويوم النّحر
من الأحكام المتعلقة بأعمال مزدلفة ويوم النحر ما يلي:
ومِمَّا يستفاد من هذا الدرس:
أهداف الدّرس
لم يبقَ من أعمال الحجّ ومناسكه إلاّ أعمال أيام التشريق، ومنها: المبيتُ بمِنىً، وقد مضى حكمه، ورمي الجمرات الثلاث.
فكيف العمل في هذا الرَّمي؟ وما هي أحكامه؟
النَّظم
قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:
......................... *** إِثْرَ زَوَالِ غَدِهِ ارْمِ لاَ تُفِتْ
ثَلاَثَ جَمْرَاتٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتْ *** لِكُلِّ جَمْرَةٍ وَقِفْ لِلدَّعَوَاتْ
طَوِيلاً اثْرَ الأَوَّلَيْنِ أَخِّرَا *** عَقَبَةً وَكُلَّ رَمْيٍ كَبِّرَا
وَافْعَلْ كَذَاكَ ثَالِثَ النَّحْرِ وَزِدْ *** إِنْ شِئْتَ رَابِعًا وَتَمَّ مَا قُصِدْ
شرح المفردات
لا تُفِتْ: لا تُخرج رمي الجمرات عن وقته، جمْراتٍ: جمعُ جَمْرَةٍ، وهي موضِعُ الحَصَى، لا البناءُ القائِم، حَصَيَاتٍ: جمعُ حَصاةٍ، وهي صِغار الحجارة.
التحليل
أولاً: صفة العمل في رمي الجمرات الثلاث
يقومُ الحاج برمي الجمرات الثلاث بعد زوال أيام التشريق التي هي اليوم الحادي عشر والثاني عَشر والثالث عشر من ذي الحجة؛ وسُمِّيت بذلك لأنّ لحومَ الهدايا تُشَرَّق فيها، والعمل في ذلك كما يلي:
ثانيا: من الأحكام المتعلقة برمي الجمرات:
ومِمَّا يستفاد من هذا الدرس:
أهداف الدّرس
تمهيدٌ
الإحرامُ عبارةٌ عن الدُّخول في العبادة، وقد شُرِع بسببه منعُ كُلِّ ما ينافيه ولا يتناسبُ مع حرمة العبادة، كالصّيد ولبس الثياب ونحو ذلك.
فما ممنوعات الإحرامِ؟ وما الذي يلزمُ المُحرِمَ إن فعَل شيئاً مِنها؟
النَّظم
قال الإمام ابن عاشِرٍ رحمه الله:
وَمَنَعَ الإٍحْرَامُ صَيْدَ الْبَرِّ *** فِي قَتْلِهِ الْجَزَاءُ لاَ كَالْفَأْرِ
وَعَقْرَبٍ مَعَ الْحِدَا كَلْبٍ عَقُورْ *** وَحَيَّةٍ مَعَ الْغُرَابِ إِذْ يَجُورْ
وَمَنَعَ الْمُحِيطَ بِالْعُضْوِ وَلَوْ *** بِنَسْجٍ أَوْ عَقْدٍ كَخَاتَمٍ حَكَوْا
وَالسَّتْرَ لِلْوَجْهِ أَوِالرَّأْسِ بِمَا *** يُعَدُّ سَاتِرًا وَلَكِنْ إِنَّمَا
تُمْنَعُ الأُنْثَى لُبْسَ قُفَّازٍ كذا *** سَتْرٌ لِوَجْهٍ لاَ لِسَتْرٍ أُخِذَا
شرح المُفردات
تَجُورُ: تعْدُو على غيرِها، قفّاز: هو ما يُصنع على صِفة الكَفّ من قُطنٍ ونحوه ليقيَ الكفّ.
التحليل
أولاً: ممنوعات الإِحرام
يمنع في حالة الإحرام بالحج أشياء، وتُسمّى محظورات الإحرام؛ وهيَ على ثلاثة أقسام:
والحَظرُ: المنع؛ والمرادُ به في الأولينَ: التحريم، وفي الثّالث: الكراهةُ.
ثانياً: ما يُمنعُ بالإحرامِ مِن قتل الصَّيد وما يلزَم فيه
يُمنع بسبب الإحرامِ بالحجّ أو العمرة أمورٌ، منها:
التّعرض للحيوان البَريّ، سواءٌ كان المُحرم في الحرم أو في الحِلّ، كما يُمنَعُ على مَن في الحرم ولو كانَ حلالاً؛ وبيانُ ذلكَ في الآتي:
ويستثنى من هذا المنع: الغُراب والحِدَأة والفأرة والعقرب والحيَّة وابن عِرْس؛ فيقتلهنّ المحرم والحلال في الحلّ والحرم، وإن لن يبتدئنَ بالأذى؛ وصغيرها ككبيرها، العَقور؛ وهو الكبير من السباع العادية كالأسد والنمر والذئب ونحوها.
ثالثاً: ما يُمنع بالإحرام من الثياب وما يلزم في لبسها
يُمنع على المحرم بسبب الإحرام لبس ثياب غير ثيابِ الإحرام؛ ويختلف الرجل عن المرأة في الآتي:
وأمّا المرأة فإحرامُها في وجهها وكفَّيها، فيَحرُم عليها ستر وجهها بنقابٍ أو لثام أو نحوهما؛ ولُبس قفّاز في يديها، لأنّ إحرامها في وجهها وكفَّيها؛ ولها سَدل ثوب على وجهها مِن فوق رأسها للستر، ولها إدخالُ يديها في كُمِّها وجلبابها. وفي كُلِّ ذلك قال الناظم: (ومنعَ المحيطَ بالعضو...) فإنْ فعلَ أحدهما شيئاً مِمَّا حرُم عليه من ذلك، فعليه الفديةُ بشرط حصول الانتفاع به، بالاتّقاء من حرّ أو بردٍ، أو بطولٍ كاليوم وإن لم ينتفع به، وتجب الفدية في ذلك، سواءٌ كان لضرورة أو لغير ضرورة، ويأثمُ مَن فعلهُ لغير ضرورة.
ومِمَّا يستفاد من هذا الدرس:
أهداف الدرس
تمهيدٌ
تقدَّم بيان طائفة من ممنوعات الإحرام تتعلَّق بالصّيد واللِّباس، وبَقِيت طائفةٌ أخرى من الممنوعات؛ ولكلّها حدّ يُتحلَّل منها عنده.
النّظم
قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:
وَمَنَعَ الطِّيبَ وَدُهْنًا وَضَرَرْ *** قَمْلٍ وَإِلْقَا وَسَخٍ ظُفْرٍ شَعَرْ
وَمَنَعَ النِّسَا وَأَفْسَدَ الْجِمَاعْ *** إِلَى الإِفَاضَةِ يُبَقَّى الاِمْتِنَاعْ
كَالصَّيْدِ ثُمّ َبَاقِي مَا قَدْ مُنِعَا *** بِالْجَمْرَةِ الأَوْلَى يَحِلُّ فَاسْمَعَا
وَجَازَالاِسْتِظْلاَلُ بِالْمُرْتَفَعِ *** لاَ فِي الْمَحَامِلِ وَشُقْدُفٍ فَعِ
وَيَفْتَدِي لِفِعْلِ بَعْضِ مَا ذُكِرْ *** مِنَ الْمُحِيطِ لِهُنَا وَإِنْ عُذِرْ
شرح المفردات
ويفتدي: يُخرجُ الفِديَة، الاسْتِظْلال: التّعرض للظِّل.
التحليل
أولاً: بقيّة ممنوعات الإحرام
مِن ممنوعات الإحرام ترفُّه المحرم باستعمال الطيب ودهن البدن؛ وإلقاء الوسخ عن البدن، أو بعض الهوان كالقمل عن البدن أو الثوب؛ والاقترابِ من النساء بالجماع ومقدّماته، أو بعقد النِّكاح لنفسه أو لغيره؛ فيُمنع عليه كل ذلك، وبيانه فيما يلي:
أ.يمنع الطّيب على المحرم:
والمراد: المُؤنّث منه؛ وهو: ماله جِرمٌ يعلق بالجسد والثوب، كالمسك والعنبر والكافور والزّعفران؛ وأما مذكّره كالياسمين ونحوه فلا يمنع، وإنما يكره؛ والحناء عندهم من المذكّر.
والمراد منع استعماله، فلا يضر حمل قارورته دون استعمالٍ له؛ ومعنى استعماله إلصاقه باليدِ أو بالثَّوب. وتجب الفدية باستعماله وبمسِّه، ولو لم يعلَق به، أو عَلِق وأزاله سريعاً على المشهور؛ كما تجبُ في لُبس الثوب المزعفر والمورَّس والمعصفر من الثّياب.
ولا فديةَ فيما يتطيَّب به قبل إحرامه وبقيت رائحتُه بعد الإحرام؛ ولا فيما ألقته الرّيح أو ألقاه غيره عليه وأزاله في الحين؛ فإن تراخى لَزِمت الفدية.
والمرأة كالرّجل في ذلك كلّه؛ وفي منع الطِّيب قال الناظم: (ومَنعَ الطيب)؛ وفي وجوب الفدية في استعماله قال: (ويفتدي لفعل بعض ما ذكر...).
ب. ويمنع عليه الدُّهن:
والمراد: ما يُدهَن به لتليينِ بشرة الجلد، أو لإزالة الضرر عنها؛ والمراد بمنعه منع استعماله؛ فيَحرُمُ على المحرِم دهنُ اللِّحية والرأس، ولو كان أصلع، وكذا سائر الجسد.
وتجب الفدية بذلك، ولو لم يكن فيه طيبٌ، أو كانَ استعماله لضرورة.
من ممنوعات الإحرام: ترفّه المُحرم بإزالة الوسخ، كقلم الظُّفر، أو إزالة الشَّعر، أو قتل القمل أو طرحه، أو الاقتراب من النّساء؛ فيحرُم عليه:
ولا فرق في وجوب الفدية بين أن يفعل ذلك لعذر أو باختيارٍ، قال الناظم: (وإنْ عُذِر) إلاّ أن الفاعل عن اختيار آثم دون المضطر، فلا إثم عليه.
يُمنع على المحرم من ذلك أمورٌ: الجماع ومقدّماته والإنزال، وعقد النّكاح.
ثانياً: التحلل من الإحرام وما يكون به
يستمرّ المنع من محظورات الإحرام إلى التحلل؛ ثم تصير حلالاً لا شيء على فاعلها؛ وللحجّ تحلُّلان: أصغر، وأكبر:
وإنّما يكون طواف الإفاضة تحَلُّلاً أكبر لمن سعى قبل الوقوف، وإلا فلا يحصل التحلل إلا بالسّعي بعد طواف الإفاضة، ويحلّ به كل شيء إنْ حَلَق. ومنتهى المنع في العمرة السّعي.
ويستثنى من الممنوعات بالإحرام استظلال المُحرم بشيء مرتفع على رأسه، مما هو ثابت كالبناء والشّجر، فيجوزُ الاستظلالُ به، دون ما ليسَ بثابتٍ كالمحمل والشُّقدُف، فلا يجوز الاستظلالُ فيه.
ومما يستفاد من هذا الدّرس
أن للحجّ مقاصد وحكماً عظيمة، منها:
أهداف الدرس
تمهيدٌ
شُرِع إلى جانب الحجّ المفروض حجُّ التطوع، كما سُنّت العُمرة للاستزادة من الخير، وشرع لكلّ ذلك آدابٌ تابعةٌ ينبغي مراعاتها والحرص عليها.
فما العمرة؟ وما حكمها وصفتها وأحكامها؟ وما الآداب المطلوبة في النّسكين؟ وما آداب زيارة المسجد النبوي والرَّوضة الشريفة؟
النظم
قال الإمام ابن عاشر رحمه الله:
وُسُنَّةُ الْعُمْرَةِ فَافْعَلْهَا كَمَا *** حَجٍّ وَفِي التَّنْعِيمِ نَدْبًا أَحْرِمَا
وَإِثْرَ سَعْيِكَ احْلِقَنْ وَقَصِّرَا *** تَحِلَّ مِنْهَا وَالطَّوَافَ كَثِّرَا
مَا دُمْتَ فِي مَكَّةَ وَارْعَ الْحُرْمَةْ *** لِجَانِبِ الْبَيْتِ وَزِدْ فِي الْخِدْمَهْ
وَلاَزِمِ الصَّفَّ فَإِنْ عَزَمْتَ *** عَلَى الْخُرُوجِ طُفْ كَمَا عَلِمْتَ
وَسِرْ لِقَبْرِ الْمُصْطَفَى بِأَدَبِ *** وَنِيَّةٍ تُجَبْ لِكُلِّ مَطْلَبِ
سَلِّمْ عَلَيْهِ ثُمَّزِدْ لِلصِّدِّيقْ *** ثُمَّ إِلَى عُمَرَ نِلْتَ التَّوْفِيقْ
وَاعْلَمْ بِأَنَّ ذَا الْمَقَامَ يُسْتَجَابْ *** فِيهِ الدُّعَا فَلاَ تَمَلَّ مِنْ طِلاَبْ
وَسَلْ شَفَاعَةً وَخَتْمًا حَسَنَا *** وَعَجِّلِ الأَوْبَةَ إِذْ نِلْتَ الْمُنَى
وَادْخُلْ ضُحًى وَاصْحَبْ هَدِيَّةَ السُّرُورْ *** إِلَى الأَقَارِبِ وَمَنْ بِكَ يَدُورْ
شرح المفردات
التَّنعيمُ: اسمُ موضِعٍ قُربَ أطرافِ الحَرم، الحُرمةِ: ما عَظَّمهُ الله تعالى وأمَر بتعظيمِه وعدم انتهاكِه، الصَّفُّ: صفُّ صلاةِ الجماعةِ مع الإمام.
التحليل
أولاً: صفة العمرة وحكمها
العمرة: عبادةٌ ذاتُ إحرام وسعي وطواف. وهيَ: سُنَّة مؤكدة مرَّةً في العُمُرِ على القولِ المشهور؛ فعن جابرٍ بن عبد الله رضي الله عنه: أنّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلَّم: أواجبةٌ العمرة؟ قالَ: «لا، وأن تعتمر خيرٌ لكَ»((السّنن للبيهقي، باب من قال العمرة تطوع)).
وتقدَّم أنّ وقت الإحرام بها حميع العام، ويَكرهُ تكرارها في العام الواحد على المشهور، وأجازَ ذلك مُطرِّفٌ وابنُ الماجِشُون.
ويستحبُّ الإحرامُ بها من التّنعيم بالنسبة للحاج بالإفراد، وهو ما درجَ عليه النّاظم؛ لأنه الراجح في المذهب، وأما المتمتع فقد دخل مكة محرماً من الميقات بعمرة، وهو ما عليه أكثر الناس اليوم طلباً للتيسير؛ لأنّ الحاجّ لا يتحكم في رحلة الحجّ التي تحكمها ضوابطُ إدارية؛ وكذلك الحاجّ بالقران فقد أحرم من الميقات لقرانه بين الحج والعمرة.
ومن أدلة الإحرام من التنعيم: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ يا رسولَ الله، يرجعُ النَّاس بنُسكين، وأرجِعُ بنُسُكٍ واحد، فأمر عبد الرحمن بنَ أبي بكرٍ إلى التَّنعيم((السنن الكبرى للنسائي، ج6 ص 413))...
وصِفةُ العمرة في الإحرام واستحباب الغُسلِ والتّنظيف، وفيما يلبسُهُ وما يحرُم عليه من اللباس والطِّيب والصَّيد وغير ذلك، وفي التلبية والطواف والرَّمَل والرُّكوع بعدَه والسَّعي بعده كالحجّ سواءً بسواء؛ ولذلك قال الناظم رحمه الله: (فافعَلْها كما حجٍّ).
وتختلفُ عنه في أنَّ أركانها تنحصِر في ثلاثةٍ: الإحرام والطَّواف والسعي، وأن التّحلل منها يكون بعد الفراغ من السَّعي بالحلق أو التقصير؛ وإلى ذلك أشار الناظم بقوله: (وإِثْرَ سعيكَ احلِقَنْ أو قصِّرا تحلَّ منها).
ثانياً: أحكامُ أعمال العمرة
تنقسم أعمال العمرة باعتبار أحكامها إلى ثلاثة أقسام: أركانٌ لا تُجبر، وواجباتٌ تُجبر، وسُنن لا شيءَ في تركها. فأركانها ثلاثةٌ: الإحرامُ والطَّواف والسَّعيُ. وواجباتها المُنجبرة بالدم كالحجّ فيما يستويانِ فيه، ومنها الحِلاق؛ فيُجبر بالدَّم إذا تركه حتى رجع لبلده، أو طال الزَّمن كما تقدّم في موجبات الدّم. وأمّا السّنن والمستحبّات فكالحجّ أيضاً فيما يستويان فيه من ذلك.
ثالثاً: آداب ما بعد الحجّ والعمرة والزيارة الشريفة
للحجِّ والعمرة آدابٌ تابعةٌ ينبغي إتيانها؛ فيُستحبُّ للآفاقيّ ما يلي:
على أنّ ذلك مطلوبٌ في كل مكانٍ وزمانٍ، إلا أنه يتأكد في هذا المكان أكثر، لما تقرر من أن الطاعة تعظُم بالزمان والمكان فيكثُر ثوابها.
فإذا وصل المسجد بدأ بالصلاة إن كانَ وقتاً يجوز فيه الصلاة، وإلاّ بدأ بالقبر الشريف؛ وتكون صلاتهُ في محراب النبي صلى الله عليه وسلّم إن قدَرَ، أو في الرّوضة، أو في غيره من المواضع.
ثمّ يتقدم إلى القبر الشريف، ولا يلتصق به، ويستقبله وهو متصف بالذُّل والمسكنة والانكسار والفاقة والاضطرار، ويستشعر أنه واقفٌ بين يديه صلى الله عليه وسلَّم، إذ لا فرقَ بين موته وحياته، فيبدأ بالسلام عليه؛ قال مالك: فيقول: السَّلام عليكَ أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته؛ ثمّ يسلّم على أبي بكر، ثمّ عمر، رضي الله عنهما.
وكره مالكٌ لأهل المدينة الوقوف بالقبر كلّما دخل أحدهم المسجد وخرج؛ قال: ولا بأسَ لِمَن قدِمَ مِن أهل المدينة مِن سفرٍ أو خرجَ إلى سفرٍ، أن يَقِفَ عند القبر، فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلَّم، ويدعو له ولأبي بكرٍ وعمرَ رضي الله عنهما.
د. أن يعجّل الرجوع إلى أهله وبلده؛ لقوله صلى الله عليه وسلّم: «السَّفَرُ قطعةٌ مِن العَذابِ، يمنعُ أحدكم نومَه وطعامَهُ وشرابهُ، فإذا قضى أحدكم نَهمتَهُ من وِجهتِه فليعْجَل إلى أهلِهِ»((الموطأ، ما يؤمر به من العمل في السفر، ج2ص 344)).
هـ. أن يأتيَ أهله نهاراً، ولا يطرقهم ليلاً، كي تمتشِطَ الشَّعثةُ وتستحِدَّ المُغيبةُ؛ والأفضل أول النهار ضُحىً، كما قال الناظم: (وادخُل ضُحىً).
و. وأن يستحبّ هديةً يدخل بها السرور على أقاربه ومن يدور به من الحَشَم ونحوهم؛ وذلك سنةٌ ماضيةٌ في حقّ من لم يلحقه في ذلك كُلفةٌ. وذلكَ قول الناظم: (واصْحَبْ هديَّة السُّرور إلى الأقارب ومن بكَ يدور).
ومِمّا يستفاد من هذا الدرس:
أهدافُ الدَّرس
تمهيدٌ
الدِّين مراتبٌ: إسلامٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، والعبادة قسمانِ: عبادةٌ بالجوارحِ، وعيادةٌ بالقَلبِ؛ كما حثَّ الإسلام على إصلاحِ أعمالِ الجوارحِ، حَرَصَ على إصلاحِ أعمال القُلوبِ أيضاً لبلوغِ مرتبة الإحسان.
فما السَّبيل إلى سلوكِ طريق الإحسان؟ وما ثمرتُهُ؟
النَّظمُ
قال الإمام ابنُ عاشِرٍ رحمه الله:
كتاب مبادي التّصوف وهوادي التعرف
وَتَوْبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ يُجْتَرَم *** تَجِبُ فَوْرًا مُطْلَقَا وَهْيَ النَّدَمْ
بِشَرْطِ الاِقْلاَعِ وَنَفْيِ الإِصْرَارْ*** وَلْيَتَلاَفَ مُمْكِنًا ذَا اسْتِغْفَارْ
وَحَاصِلُ التَّقْوَى اجْتِنَابٌ وَامْتِثَالْ *** فِي ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ بِذَا تُنَالْ
فَجَاءَتِ الأَقْسَامُ حَقًّا أَرْبَعَةْ *** وَهِيَ لِلسَّالِكِ سُبْلَ الْمَنْفَعَةْ
يَغُضُّ عَيْنَيْهِ عَنِ الْمَحَارِم *** يَكُفُّ سَمْعَهُ عَنِ الْمَآثِمِ
كَغِيبَةٍ نَمِيمَةٍ زُورٍ كَذِبْ *** لِسَانُهُ أَحْرَى بِتَرْكِ مَا جُلِبْ
يَحْفَظُ بَطْنَهُ مِنَ الْحَرَامِ *** يَتْرُكُ مَا شُبِّهَ بِاهْتِمَامِ
يَحْفَظُ فَرْجَهُ وَيَتَّقِي الشَّهِيدْ *** فِي الْبَطْشِ وَالسَّعْيِ لِمَمْنُوعٍ يُرِيدْ
وَيُوقِفُ الأُمُورَ حَتَّى يَعْلَمها *** مَا اللهُ فِيهِنَّ بِهِ قَدْ حَكَمَا
يُطَهِّرُ الْقَلْبَ مِنَ الرِّيَاءِ *** وَحَسَدٍ عُجْبٍ وَكُلِّ دَاءِ
شرحُ المفردات
المَبادِئُ: جمعُ مبدإٍ: ما يتوقَّفُ عليهِ المَقصودُ، التَّصوف: علمٌ يُعرَفُ به كيفيَّةُ إصلاحِ القلوبِ وتزكية النَّفس تَقَرُّباً إلى الله تعالى، هوادي التَّعَرُّفِ: الهوادي جَمْعُ هادٍ؛ والتَّعَرُّف طلبُ المعرفةِ، وهوادِي التَّعرُّف هيَ الأمورُ التي تدُلُّ على الله تعالى، الشَّهيدْ: على وزنِ فعيلٍ بمعنَى فاعِلٍ، أيْ الحَاضِرُ وهو الله عزّ وجلَّ.
التحليل
خَتمَ النّاظم رحمه الله هذا النَّظْمَ بكتابٓ مبادي التصوّف، وهوادي التَّعرف وفاءً بِمَا وَعَدَ به أوَّلَ النظم في قوله: (وفي طَرِيقةِ الجُنَيدِ السَّالِك)، وتفاؤُلاً بأَنْ يكونَ السَّعيُ في تصفية القلب وتطهيره خاتمَةَ العملِ لمن أرادَ سلوكَ الإحسانِ.
أولاً: ثمراتُ بلوغِ مرتبةِ الإحسانِ
الإحسانُ مرتَبةٌ عظيمةٌ مِن مراتِبِ الدِّين، عرَّفه النبي صلى الله عليه وسلَّم بقوله: «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كأنَّكَ تراهُ فإنْ لم تَكُنْ تَراهُ فإنَّهُ يرَاكَ»((متفق عليه))؛ فمَنْ جاهدَ نفسَهُ في سلوكِ طريقها، وتحقَّقَ بمعانيهَا وتحلَّى بأخلاقِها؛ حصَّلَ ثمراتٍ كثيرةٍ منها:
ثانياً: الاستِقامَةُ ظاهراً وباطناً مِفتاحُ طريقِ الإحسانِ
أوّل ما يلزمُ سالكَ الطّريق إلى مرتبةِ الإحسانِ الاستقامَةُ ظاهراً وباطناً، وذلكَ بالتوبة النَّصوحِ والتقوىٰ الكَامِلة، وفيما يأتي تفصيلُ ذلك:
أ. التوبة وشروطها
التًّوبة، هي الرّجوع إلى الله تعالى والإقلاع عن كلِّ الذنوب والمعاصي، والنَّدم على فِعلها. وإنَّما يكون النّدم المذكور توبةً بثلاثة شروطٍ، وهيَ:
الأوَّل: الإقلاع عن الذنبِ في الحَال.
الثاني: نيَّةُ عَدَم العَوْدِ إلى ذلك الذّنب أبداً؛ وهو المُراد بنفي الإصرار.
الثالث: تلافي ما يُمكِن تداركُهُ، كرَدِّ المَظالمِ لأصحابها. أمَّا واستغفارُه فشرطُ كمالٍ لا شرطُ صِحَّة.
ب. التَّقوى وأقسامها
التقوى طريق السَّالك إلى الله تعالى، وهي الأساسُ المتين للتَّرقي في الدِّين ونيلِ ثمراتِ الإحسانِ، وتتحصَّل التقوى باجتِنابِ المَنهيَّات، وامتثالِ المأموراتِ في الظَّاهر والباطِنِ؛ فهي أربعةُ أقسامٍ.
وينبغي لمَن أرادَ التَّخلق بالتقوى في الظاهر والباطن القيام بما يأتي:
مِمَّا يُستفاد من هذا الدّرس:
نتشرف بأن نقدم لكم مقرر الفقه الإسلامي للمستوى الثالث من برنامج الدراسات الإسلامية من خلال منظومة ابن عاشر رحمه الله المسمى المرشد المعين على الضروري من علوم الدين بشرح مختصر الدر الثمين للعلامة محمد بن أحمد المشهور بميارة، وقد جاء محتوى هذا المقرر جامعا بين العلم بالأحكام الفقهية على مذهب مالك رحمه الله، ودراسة مبادئ علم السلوك على مذهب الإمام الجنيد السالك رحمهم الله، وذلك وفق خطوات منهجية تراعي مبادئ الحنيفية السمحة، ومعالم علم التربية والمستجدات التربوية، المنسجمة مع روح الإصلاح والتزكية، وتربط الإنسان بالقيم الإسلامية السمحة، وبهوية الأمة وثوابتها. وقد اشتملت مفردات مقرر هذه المستوى على فقه الزكاة والصيام والحج، وسلكنا في تحقيق أهداف مادة المقرر مقاربة تربوية واضحة المعالم، تجمع بين بيان الحكم الشرعي واستخلاص المفاهيم وتحليل المضامين، وصولا إلى اكتساب معارف فقهية جديدة تعزز المكتسبات الفقهية وتمكن الطالب من تنمية قدراته، كما تنبني المادة العلمية على مراحل تعد مفتاحا لدراسة هذه المادة العلمية الأساس من خلال قراءة النظم المعتمد وتحليله استنادا إلى شرحه الذي ييسر فهم معانيه.
الأهداف التي يرجى تحقيقها نهاية كل درس. تمهيدا يشوق المتعلم للاطلاع على محاور الدرس. نص الأبيات - النصاب المقرر في كل درس- ربطا للمتعلم بالنظم. الأحكام الواردة في نص النظم والشرح؛ تحليلا لهذه الأحكام وبيانا لها. المقاصد الشرعية والقيم الخلقية المستنبطة من هذه الأحكام.
منظومة المرشد المعين على الضروري من علوم الدين للإمام ابن عاشر بشرح مختصر الدر الثمين للعلامة محمد بن أحمد المشهور بميارة.