الأهداف
- أن أتعرف متن الورقات وشرحه قرة العين.
- أن أدرك المكانة العلمية لمتن الورقات وشرحه.
- أن أقتدي بالمؤلفين الجليلين في صفاتهما العلمية.
تمهيد:
من العلوم الشرعية التي لا غنى لطالب العلم الشرعي عنها علم أصول الفقه؛ إذ به يتوصل المجتهد إلى الأحكام الشَّرعية، وبمعرفته ندرك المنهج الذي سلكه المجتهدون للتوصل إلى هذه الأحكام، وقد ألفت فيه مؤلفات ومتون تعليمية كثيرة، منها: متن الورقات الذي شرحه الإمام الحطاب بكتابه قرة العين.
فما هي مميزات هذا المتن وشرحه المذكور؟ وما هي المكانة العلمية لصاحب المتن والشرح: إمامِ الحرمين والإمامِ الحطاب؟
المتن
قال الإمام الحطاب رحمه الله: "فإنَّ كِتَابَ الْوَرَقَاتِ فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ، صَاحِبِ التَّصَانِيفِ الْمُفِيدَةِ، أَبِي الْمَعَالِي عَبْدِ الْمَلِكِ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ كِتَابٌ صَغُرَ حَجْمُهُ وَكَثُرَ عِلْمُهُ وَعَظُمَ نَفْعُهُ وَظَهَرَتْ بَرَكَتُهُ ".[ قرة العين في شرح ورقات إمام الحرمين]
الفهم
الشرح:
الْوَرَقَــاتِ: جمع ورقة، يدل على القلة أي: ورقات قليلة. التَّصَانِيفِ: من صنَّف الأشياء قسَّمها ورتَّبها في نظام خاص، والمراد الكتب المؤلفة
استخلاص مضامين المتن:
- أعرف بمتن الورقات وشرحه قرة العين.
- أبرز المكانة العلمية لإمام الحرمين والإمام الحطاب.
التحليل:
يشتمل هذا الدرس على ما يأتي:
أوّلاً: التعريف بمتن الورقات وشرحه قرة العين:
التعريف بمتن الورقات:
متن الورقات في علم أصول الفقه لإمام الحرمين هو متن نثري مختصر في علم أصول الفقه، تضمن أهم المصطلحات والقواعد التي ينبغي للمبتدئ في علم أصول الفقه أن يعرفها، أعطاه الله شهرة وقبولا، فأصبح مفتاحا لدراسة علم أصول الفقه في كثير من المعاهد التعليمية منذ تأليفه إلى يومنا هذا، قال فيه الإمام الحطاب رحمه الله: "كتابٌ صَغُرَ حجمُه وكثُر علمُه وعَظُمَ نفعُه وظَهَرَتْ بركته ".
ومما يدل على أهمية هذا المتن ومكانته بين متون علم أصول الفقه:
- أنه من تأليف عَلَم شامخ من أعلام أصول الفقه هو إمام الحرمين.
- اعتناء العلماء به شرحا وتعليقا؛ إذ وضعت عليه شروح وتعليقات كثيرة، منها:
- شرح الورقات في علم أصول الفقه لجلال الدين المحلي المتوفى سنة:864 هـــ.
- قرة العين بشرح ورقات إمام الحرمين، للإمام الحطاب وهو أصل هذا الكتاب.
- حاشية السوسي على قرة العين، لمحمد بن حسين الهده السوسي التونسي.
- اشتهار هذا المتن وتلقى الناس له بالقبول حيث لم يزل الناس يدرسونه ويحفظونه ويشتغلون به تعلُّما وتعلِيما.
التعريف بقرة العين وبيان سبب تأليفه:
يعد كتاب قرة العين من أهم شروح الورقات، بعد شرح جلال الدين المحلي، وقد ذكر الإمام الحطاب أن شرحه هذا المسمى بقرة العين هو شرح لمتن الورقات ومبين لما غمض أو أشكل من شرح المحلي عليه، وأنه لا يعدل عن عبارة شرح المحلي إلا لتغييرها بأوضح منها، أو لزيادة فائدة، يقول الحطاب رحمه الله: وقد شرحه جماعة من العلماء رضي الله عنهم، فمنهم مَنْ بَسَطَ الكلام عليه، ومنهم مَنْ اختصر ذلك، ومن أحسنِ شروحِه شرحُ شيخِ شيوخنا العَلامَةِ المفيد جلال الدين أبي عبد الله محمَّد بن أحمد المَحَلِّي الشافعيّ، فإنَّه كثيرُ الفوائد والنكت، اشتغلَ به الطلبةُ وانتفعوا به، إلا أنَّه لفرط الإيجاز قَارَبَ أن يكون من جملة الألغاز، فلا يُهْتَدَى لفوائده إلا بتعبٍ وعنايةٍ. وقد ضَعُفَت الهِمَمُ في هذا الزمان، وكَثُرتْ فيه الهمومُ والأحزان، وقَلَّ فيه المساعدُ من الإخوان، فاستخرتُ اللهَ تعالى في شرح الورقات بعبارة واضحةٍ، مُنَبِّهَة على نُكَتِ الشرح المذكور وفوائده، بحيث يكون هذا الشرحُ شرحاً للورقات وللشرح المذكور، ويحصل بذلك الانتفاعُ للمبتدئ وغيرِه إن شاء الله تعالى. ولا أعدِلُ عن عبارة الشرح المذكور إلا لتغييرها بأوضحَ منها، أو لزيادة فائدةٍ، وسَمَّيْتُهُ" قُرَّةَ العَيْنِ لشَرْحِ وَرَقَاتِ إمَامِ الحَرَمَيْنِ".
ثانيا: التعريف بإمام الحرمين والإمام الحطاب:
التعريف بإمام الحرمين:
هو أبو المعالي عَبْدُ الملك بن الشيخ أبي محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الجُوَيْني، نسبةً إلى جُوَين، وهي ناحيةٌ كبيرة من نواحي نيسابور، يلقب بضياء الدين، صاحب التصانيف المفيدة، ولد في المحرَّم من سنة: 419 هــ، جَاوَرَ بمكة والمدينة أربع سنين يدرس العلم ويفتي، فَلُقِّبَ بإمام الحرمين، وانتهت إليه رئاسة العلم بنيسابور، وبُنِيَت له المدرسة النظامية، له تصانيف كثيرة لم يسبق إلى مثلها منها:
- البرهان في أصول الفقه في مجلدين، وهو من أهم كتب الأصول.
- الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد.
توفي رحمه الله، بقرية من قرى نَيْسَابُور يقال لها: بُشْتَنِقَان سنة: 478 هـ.
التعريف بالإمام الحطاب:
هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حسين الرُّعَيْنيّ، المغربي الأصل، المالكي المذهب، المكي المولد والوفاة المشهور بالحطاب.
ولد سنة: 902هـ، فنشأ نشأة صالحة، حيث رباه والده فقرأ عليه العلوم، ونهل منه الفنون، كما أخذ عن قاضي المدينة محمَّد بن أحمد السخاوي، ومحمد بن ناصر الدرعي، وغيرهم. له تآليف عديدة تدل على سعة حفظه وجودة نظره، منها:
- قرة العين شرح ورقات إمام الحرمين في الأصول.
- مواهب الجليل في شرح مختصر خليل.
توفي رحمه الله بمكة المكرمة، سنة: 954 هــ [ شجرة النور الزكية:1 / 389– 390 بتصرف].
التقويم
- أعرف بمتن الورقات وأبين أهميته وقيمته العلمية.
- ما هي علاقة قرة العين للحطاب بشرح المحلي على الورقات.
- أعرف بإمام الحرمين والإمام الحطاب باختصار.
الاستثمار
قال ابن خلدون في مقدمته عن التأليف في أصول الفقه: "ثُمَّ كَتَبَ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ فِيهِ وَحَقَّقُوا تِلْكَ الْقَوَاعِدَ وَأَوْسَعُوا الْقَوْلَ فِيهَا. وَكَتَبَ الْمُتَكَلِّمُونَ أَيْضًا كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ كِتَابَةَ الْفُقَهَاءِ فِيهَا أَمَسُّ بِالْفِقْهِ وَأَلْيَقُ بِالْفُرُوعِ لِكَثْرَةِ الْأَمْثِلَةِ مِنْهَا وَالشَّوَاهِدِ وَبِنَاءِ الْمَسَائِلِ فِيهَا عَلَى النُّكَتِ الْفِقْهِيَّةِ. وَالْمُتَكَلِّمُونَ يُجَرِّدُونَ صُوَرَ تِلْكَ الْمَسَائِلَ عَنِ الْفِقْهِ وَيَمِيلُونَ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ الْعَقْلِيِّ مَا أَمْكَنَ لِأَنَّهُ غَالِبُ فُنُونِهِمْ وَمُقْتَضَى طَرِيقَتِهِمْ فَكَانَ لِفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهَا الْيَدُ الطُّولَى مِنَ الْغَوْصِ عَلَى النُّكَتِ الْفِقْهِيَّةْ وَالْتِقَاطِ هَذِهِ الْقَوَانِينِ مِنْ مَسَائِلْ الْفِقْهِ مَا أَمْكَنَ" [مقدمة ابن خلدون، ص: 576]
أتأمل النص، وأجيب عن الآتي:
- أقارن بين طريقة التأليف في أصول الفقه عند الفقهاء والمتكلمين.
- أبين موقع متن الورقات وشرحه من الطريقتين.
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- أعرف مصطلحات: الأصل– الفرع– الفقه.
- أعرف أصول الفقه باعتباره لقبا على علم خاص.
الأهداف
- أن أتعرف مفهوم أصول الفقه.
- أن أميز بين التعريف الإضافي واللقبي لأصول الفقه.
- أن أستشعر أهمية علم أصول الفقه في التوصل إلى الأحكام الشرعية.
تمهيد
بدأ المؤلف رحمه الله كتابه بتعريف أصول الفقه، فعرفه باعتباره مركبا من خلال تعريف جزءيه، ثم عرفه لاحقا باعتباره لقبا على علم خاص، وقد اخترنا جمع التعريفين معا (الإضافي واللقبي) في هذا الدرس تقريبا للفهم وتفاديا للتكرار.
فما هو الأصل والفقه؟ وما معنى علم أصول الفقه؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "أمَّا بَعْدُ؛ هَذِهِ وَرَقَاتٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ فُصُولٍ مَنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَذَلِكَ مُؤَلَّفٌ مِنْ جُزْءَيْنِ مُفْرَدَيْنِ. فالأَصْلُ: مَا بُنِى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ: مَا يُبْنَى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
وقال أيضا: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا".
الفهم
الشرح:
فُصُــولٍ: جمع فصل، اسم لطائفة من المسائل تشترك في حكم.
مُؤَلَّـــفٌ: من التأليف، وهو حصول الألفة والتناسب بين الجزءين، فهو أخص من التركيب الذي هو ضم كلمة إلى أخرى، وقيل: إنهما بمعنى واحد.
مفردين: من الإفراد المقابل للتركيب، لا المقابل للتثنية والجمع، فإن الإفراد يطلق في مقابلة كل منهما، ولا تصلح إرادة الثاني هنا؛ لأن أحد الجزءين الذين وصفهما بالإفراد لفظ" أصول" وهو جمع.
استخلاص مضامين المتن:
- أعرف أصول الفقه باعتباره مركبا إضافيا.
- ما هو مفهوم علم أصول الفقه؟
التحليل
ذكر المصنف رحمه الله معنيين للفظ أصول الفقه، أحدهما: معناه الإضافي، وهو ما يُفهم من مفرديه عند تقييد الأول بإضافته للثاني، وثانيهما: معناه اللَّقبي، وهو العلم الذي جُعل هذا التركيب الإضافي لقبا له، ونُقل عن معناه الأول إليه.
أولا: تعريف أصول الفقه باعتباره مركبا:
عرف المصنف أصول الفقه باعتباره مركبا بتعريف جزءيه حيث قال: "فَالأَصْلُ ما يُبْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ مَا بُنِى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
تعريف الأصل:
عرف المصنف الأصل بقوله: "فالأصْلُ مَا بُنِىَ عليهِ غَيْرُهُ "، أي: فالأصل الذي هو الجزء الأول من المركب الإضافي، ما بُني عليه غيره، كأصل الجدار أي: أساسه، وأصل الشجرة أي: طرفها الثابت في الأرض. وهو أقرب تعريف للأصل؛ فإن الحسَّ يشهد له كما في أصلِ الجدار والشجرة. فأصول الفقه أدلته التي يبنى عليها.
وتعريف المصنف هذا أحسن من قول بعض الأصوليين: "الأصل هو المحتاج إليه"، فإن الشجرة محتاجة إلى الثمرة من حيث كمالها، وليست الثمرة أصلا للشجرة، ومن قول بعضهم: "الأصل ما منه الشيء"، فإن الواحد من العشرة وليست العشرة أصلاً له.
ولما عرَّف المصنف الأصل، عرَّف مقابله وهو الفرع على سبيل الاستطراد فقال: "وَالفَرْعُ مَا يُبْنَى على غَيرِهِ" وذلك كفروع الشجرة لأصولها، وفروع الفقه لأصوله.
تعريف الفقه:
الفقه لغة هو الفهم، واصطلاحا عرفه المصنف بقوله: "وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
والمراد بالــمعرفة هنا: العلم بمعنى الظن لا اليقين، وقد أطلق المعرفة التي هي بمعنى العلم على الظن؛ لأن المراد بذلك ظن المجتهد، الذي هو لقوته قريب من العلم.
والمراد بـالأحكام الشرعية، الأحكام التي مصدرها الشرع، وبذلك تخرج الأحكامُ العقلية، كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، والحسية كالعلم بأن النار محرقة.
ويدخل في التعريف كل الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد، كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة، وأن الوتر سنة مؤكدة عند المالكية، وأن تبييت النية شرط في الصوم، وأن الزكاة واجبة في مال الصبي، وغير واجبة في الحلي المباح، ونحو ذلك من المسائل الخلافية.
ويخرج بهذا التعريف:
- ما ليس طريقه الاجتهاد من الأحكام الصريحة في نصوص الشرع، كالعلم بأن الصلوات الخمس واجبة، وأن الزنى محرم، فلا يسمى معرفة ذلك فقها؛ لأن معرفة ذلك يَشتركُ فيها الخاص والعام.
- الأحكام الاعتقادية كالعلم بالله سبحانه وتعالى وصفاته ونحو ذلك من المسائل القطعية التي لا مجال فيها للاجتهاد.
ثانيا: تعريف أصول الفقه باعتباره لقبا:
عرفه المصنف بقوله: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا" فقوله: "طُرُقُـــهُ"، أي: طرق الفقه الموصلة إليه، وقوله: "عَلَى سَبِيلِ الإجْمَالِ" أي: من غير تعيين، كالكلام على مطلق الأمر والنهي وفعل النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس والاستصحاب والعام والخاص والمجمل والمبين وغير ذلك، المبحوثِ عن أوَّلها بأنه للوجوب حقيقة، وعن الثاني بأنه للحرمة كذلك، وعن البواقي بأنها حُجَجٌ وغير ذلك مما سيأتي. بخلافِ طُرق الفقه الموصلة إليه على سبيل التعيين والتفصيل، بحيث إنَّ كل طريقٍ توصل إلى مسألة جزئية تدل على حكمها نصا أو استنباطا، نحو:
البقرة: 42
الإسراء: 32
وصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة، والإجماع على أن لبنت الابن السدس مع بنت الصلب حيث لا عاصب لها، وقياس الأرز على البُّرِّ في امتناع بيعِ بعضِه ببعض إلا مثلاً بمثل، يداً بيد، واستصحاب العصمة للزوجة التي حصل الشك في بقاء عصمتها، فإن هذه الطرق تعد من علم الفقه، وليست من علم أصول الفقه وإن ذكر بعضها في كتبه تمثيلاً.
وكيفية الاستدلال بالطرق المذكورة تستدعي الكلام على صفات مَنْ يستدِلُّ بها، وهو المجتهد، فتحصل أن هذا الفن المسمى بهذا اللقب، أعني أصول الفقه يشمل ثلاثة أمور، هي: طرقُ الفقه الإجمالية. وكيفيةُ الاستدلال بها. وصفات من يستدل بها.
التقويم
- أعرف الفقه لغة واصطلاحا وأبين ما دخل في التعريف وما خرج منه.
- ما معنى أصول الفقه لقبا؟
- ما العلاقة بين الفقه وأصوله؟
- أذكر بعض النماذج من القواعد التي تدخل في أصول الفقه.
الاستثمار
يقول الإمام القرافي رحمه الله: "فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُعَظَّمَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ زَادَ اللَّهُ تَعَالَى مَنَارَهَا شَرَفًا وَعُلُوًّا اشْتَمَلَتْ عَلَى أُصُولٍ وَفُرُوعٍ. وَأُصُولُهَا قِسْمَانِ، أَحَدُهُمَا: الْمُسَمَّى بِأُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ فِي غَالِبِ أَمْرِهِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوَاعِدُ الْأَحْكَامِ النَّاشِئَةُ عَنِ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ خَاصَّةً وَمَا يَعْرِضُ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ النَّسْخِ وَالتَّرْجِيحِ، وَنَحْو الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَالنَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ، وَالصِّيغَةِ الْخَاصَّةِ لِلْعُمُومِ وَنَحْو ذَلِكَ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ إلَّا كَوْنُ الْقِيَاسِ حُجَّةً وَخَبَرُ الْوَاحِدِ وَصِفَاتُ الْمُجْتَهِدِينَ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ جَلِيلَةٌ، كَثِيرَةُ الْعَدَدِ، عَظِيمَةُ الْمَدَدِ، مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَسْرَارِ الشَّرْعِ وَحِكَمِهِ، لِكُلِّ قَاعِدَةٍ مِنْ الْفُرُوعِ فِي الشَّرِيعَةِ مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا شَيْءٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ". [الفروق لشهاب الدين القرافي: 1 / 3]
أتأمل النص وأجيب عن الآتي:
- ما هي أنواع أصول الشريعة؟
- من أين تُستمد قواعد أصول الفقه؟
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- ما هي أقسام الحكم الشرعي؟
- أحدد مفهوم المصطلحات الآتية: الواجب، المندوب، المباح، المحظور، المكروه، الصحيح، الفاسد.
الأهداف
- أن أتعرف مفهوم أصول الفقه.
- أن أميز بين التعريف الإضافي واللقبي لأصول الفقه.
- أن أستشعر أهمية علم أصول الفقه في التوصل إلى الأحكام الشرعية.
تمهيد
بدأ المؤلف رحمه الله كتابه بتعريف أصول الفقه، فعرفه باعتباره مركبا من خلال تعريف جزءيه، ثم عرفه لاحقا باعتباره لقبا على علم خاص، وقد اخترنا جمع التعريفين معا (الإضافي واللقبي) في هذا الدرس تقريبا للفهم وتفاديا للتكرار.
فما هو الأصل والفقه؟ وما معنى علم أصول الفقه؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "أمَّا بَعْدُ؛ هَذِهِ وَرَقَاتٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ فُصُولٍ مَنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَذَلِكَ مُؤَلَّفٌ مِنْ جُزْءَيْنِ مُفْرَدَيْنِ. فالأَصْلُ: مَا بُنِى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ: مَا يُبْنَى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
وقال أيضا: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا".
الفهم
الشرح:
فُصُــولٍ: جمع فصل، اسم لطائفة من المسائل تشترك في حكم.
مُؤَلَّـــفٌ: من التأليف، وهو حصول الألفة والتناسب بين الجزءين، فهو أخص من التركيب الذي هو ضم كلمة إلى أخرى، وقيل: إنهما بمعنى واحد.
مفردين: من الإفراد المقابل للتركيب، لا المقابل للتثنية والجمع، فإن الإفراد يطلق في مقابلة كل منهما، ولا تصلح إرادة الثاني هنا؛ لأن أحد الجزءين الذين وصفهما بالإفراد لفظ" أصول" وهو جمع.
استخلاص مضامين المتن:
- أعرف أصول الفقه باعتباره مركبا إضافيا.
- ما هو مفهوم علم أصول الفقه؟
التحليل
ذكر المصنف رحمه الله معنيين للفظ أصول الفقه، أحدهما: معناه الإضافي، وهو ما يُفهم من مفرديه عند تقييد الأول بإضافته للثاني، وثانيهما: معناه اللَّقبي، وهو العلم الذي جُعل هذا التركيب الإضافي لقبا له، ونُقل عن معناه الأول إليه.
أولا: تعريف أصول الفقه باعتباره مركبا:
عرف المصنف أصول الفقه باعتباره مركبا بتعريف جزءيه حيث قال: "فَالأَصْلُ ما يُبْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ مَا بُنِى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
تعريف الأصل:
عرف المصنف الأصل بقوله: "فالأصْلُ مَا بُنِىَ عليهِ غَيْرُهُ "، أي: فالأصل الذي هو الجزء الأول من المركب الإضافي، ما بُني عليه غيره، كأصل الجدار أي: أساسه، وأصل الشجرة أي: طرفها الثابت في الأرض. وهو أقرب تعريف للأصل؛ فإن الحسَّ يشهد له كما في أصلِ الجدار والشجرة. فأصول الفقه أدلته التي يبنى عليها.
وتعريف المصنف هذا أحسن من قول بعض الأصوليين: "الأصل هو المحتاج إليه"، فإن الشجرة محتاجة إلى الثمرة من حيث كمالها، وليست الثمرة أصلا للشجرة، ومن قول بعضهم: "الأصل ما منه الشيء"، فإن الواحد من العشرة وليست العشرة أصلاً له.
ولما عرَّف المصنف الأصل، عرَّف مقابله وهو الفرع على سبيل الاستطراد فقال: "وَالفَرْعُ مَا يُبْنَى على غَيرِهِ" وذلك كفروع الشجرة لأصولها، وفروع الفقه لأصوله.
تعريف الفقه:
الفقه لغة هو الفهم، واصطلاحا عرفه المصنف بقوله: "وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
والمراد بالــمعرفة هنا: العلم بمعنى الظن لا اليقين، وقد أطلق المعرفة التي هي بمعنى العلم على الظن؛ لأن المراد بذلك ظن المجتهد، الذي هو لقوته قريب من العلم.
والمراد بـالأحكام الشرعية، الأحكام التي مصدرها الشرع، وبذلك تخرج الأحكامُ العقلية، كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، والحسية كالعلم بأن النار محرقة.
ويدخل في التعريف كل الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد، كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة، وأن الوتر سنة مؤكدة عند المالكية، وأن تبييت النية شرط في الصوم، وأن الزكاة واجبة في مال الصبي، وغير واجبة في الحلي المباح، ونحو ذلك من المسائل الخلافية.
ويخرج بهذا التعريف:
- ما ليس طريقه الاجتهاد من الأحكام الصريحة في نصوص الشرع، كالعلم بأن الصلوات الخمس واجبة، وأن الزنى محرم، فلا يسمى معرفة ذلك فقها؛ لأن معرفة ذلك يَشتركُ فيها الخاص والعام.
- الأحكام الاعتقادية كالعلم بالله سبحانه وتعالى وصفاته ونحو ذلك من المسائل القطعية التي لا مجال فيها للاجتهاد.
ثانيا: تعريف أصول الفقه باعتباره لقبا:
عرفه المصنف بقوله: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا" فقوله: "طُرُقُـــهُ"، أي: طرق الفقه الموصلة إليه، وقوله: "عَلَى سَبِيلِ الإجْمَالِ" أي: من غير تعيين، كالكلام على مطلق الأمر والنهي وفعل النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس والاستصحاب والعام والخاص والمجمل والمبين وغير ذلك، المبحوثِ عن أوَّلها بأنه للوجوب حقيقة، وعن الثاني بأنه للحرمة كذلك، وعن البواقي بأنها حُجَجٌ وغير ذلك مما سيأتي. بخلافِ طُرق الفقه الموصلة إليه على سبيل التعيين والتفصيل، بحيث إنَّ كل طريقٍ توصل إلى مسألة جزئية تدل على حكمها نصا أو استنباطا، نحو:
البقرة: 42
الإسراء: 32
وصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة، والإجماع على أن لبنت الابن السدس مع بنت الصلب حيث لا عاصب لها، وقياس الأرز على البُّرِّ في امتناع بيعِ بعضِه ببعض إلا مثلاً بمثل، يداً بيد، واستصحاب العصمة للزوجة التي حصل الشك في بقاء عصمتها، فإن هذه الطرق تعد من علم الفقه، وليست من علم أصول الفقه وإن ذكر بعضها في كتبه تمثيلاً.
وكيفية الاستدلال بالطرق المذكورة تستدعي الكلام على صفات مَنْ يستدِلُّ بها، وهو المجتهد، فتحصل أن هذا الفن المسمى بهذا اللقب، أعني أصول الفقه يشمل ثلاثة أمور، هي: طرقُ الفقه الإجمالية. وكيفيةُ الاستدلال بها. وصفات من يستدل بها.
التقويم
- أعرف الفقه لغة واصطلاحا وأبين ما دخل في التعريف وما خرج منه.
- ما معنى أصول الفقه لقبا؟
- ما العلاقة بين الفقه وأصوله؟
- أذكر بعض النماذج من القواعد التي تدخل في أصول الفقه.
الاستثمار
يقول الإمام القرافي رحمه الله: "فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُعَظَّمَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ زَادَ اللَّهُ تَعَالَى مَنَارَهَا شَرَفًا وَعُلُوًّا اشْتَمَلَتْ عَلَى أُصُولٍ وَفُرُوعٍ. وَأُصُولُهَا قِسْمَانِ، أَحَدُهُمَا: الْمُسَمَّى بِأُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ فِي غَالِبِ أَمْرِهِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوَاعِدُ الْأَحْكَامِ النَّاشِئَةُ عَنِ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ خَاصَّةً وَمَا يَعْرِضُ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ النَّسْخِ وَالتَّرْجِيحِ، وَنَحْو الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَالنَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ، وَالصِّيغَةِ الْخَاصَّةِ لِلْعُمُومِ وَنَحْو ذَلِكَ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ إلَّا كَوْنُ الْقِيَاسِ حُجَّةً وَخَبَرُ الْوَاحِدِ وَصِفَاتُ الْمُجْتَهِدِينَ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ جَلِيلَةٌ، كَثِيرَةُ الْعَدَدِ، عَظِيمَةُ الْمَدَدِ، مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَسْرَارِ الشَّرْعِ وَحِكَمِهِ، لِكُلِّ قَاعِدَةٍ مِنْ الْفُرُوعِ فِي الشَّرِيعَةِ مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا شَيْءٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ". [الفروق لشهاب الدين القرافي: 1 / 3]
أتأمل النص وأجيب عن الآتي:
- ما هي أنواع أصول الشريعة؟
- من أين تُستمد قواعد أصول الفقه؟
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- ما هي أقسام الحكم الشرعي؟
- أحدد مفهوم المصطلحات الآتية: الواجب، المندوب، المباح، المحظور، المكروه، الصحيح، الفاسد.
الأهداف
- أن أتعرف مفهوم أصول الفقه.
- أن أميز بين التعريف الإضافي واللقبي لأصول الفقه.
- أن أستشعر أهمية علم أصول الفقه في التوصل إلى الأحكام الشرعية.
تمهيد
بدأ المؤلف رحمه الله كتابه بتعريف أصول الفقه، فعرفه باعتباره مركبا من خلال تعريف جزءيه، ثم عرفه لاحقا باعتباره لقبا على علم خاص، وقد اخترنا جمع التعريفين معا (الإضافي واللقبي) في هذا الدرس تقريبا للفهم وتفاديا للتكرار.
فما هو الأصل والفقه؟ وما معنى علم أصول الفقه؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "أمَّا بَعْدُ؛ هَذِهِ وَرَقَاتٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ فُصُولٍ مَنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَذَلِكَ مُؤَلَّفٌ مِنْ جُزْءَيْنِ مُفْرَدَيْنِ. فالأَصْلُ: مَا بُنِى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ: مَا يُبْنَى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
وقال أيضا: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا".
الفهم
الشرح:
فُصُــولٍ: جمع فصل، اسم لطائفة من المسائل تشترك في حكم.
مُؤَلَّـــفٌ: من التأليف، وهو حصول الألفة والتناسب بين الجزءين، فهو أخص من التركيب الذي هو ضم كلمة إلى أخرى، وقيل: إنهما بمعنى واحد.
مفردين: من الإفراد المقابل للتركيب، لا المقابل للتثنية والجمع، فإن الإفراد يطلق في مقابلة كل منهما، ولا تصلح إرادة الثاني هنا؛ لأن أحد الجزءين الذين وصفهما بالإفراد لفظ" أصول" وهو جمع.
استخلاص مضامين المتن:
- أعرف أصول الفقه باعتباره مركبا إضافيا.
- ما هو مفهوم علم أصول الفقه؟
التحليل
ذكر المصنف رحمه الله معنيين للفظ أصول الفقه، أحدهما: معناه الإضافي، وهو ما يُفهم من مفرديه عند تقييد الأول بإضافته للثاني، وثانيهما: معناه اللَّقبي، وهو العلم الذي جُعل هذا التركيب الإضافي لقبا له، ونُقل عن معناه الأول إليه.
أولا: تعريف أصول الفقه باعتباره مركبا:
عرف المصنف أصول الفقه باعتباره مركبا بتعريف جزءيه حيث قال: "فَالأَصْلُ ما يُبْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ مَا بُنِى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
تعريف الأصل:
عرف المصنف الأصل بقوله: "فالأصْلُ مَا بُنِىَ عليهِ غَيْرُهُ "، أي: فالأصل الذي هو الجزء الأول من المركب الإضافي، ما بُني عليه غيره، كأصل الجدار أي: أساسه، وأصل الشجرة أي: طرفها الثابت في الأرض. وهو أقرب تعريف للأصل؛ فإن الحسَّ يشهد له كما في أصلِ الجدار والشجرة. فأصول الفقه أدلته التي يبنى عليها.
وتعريف المصنف هذا أحسن من قول بعض الأصوليين: "الأصل هو المحتاج إليه"، فإن الشجرة محتاجة إلى الثمرة من حيث كمالها، وليست الثمرة أصلا للشجرة، ومن قول بعضهم: "الأصل ما منه الشيء"، فإن الواحد من العشرة وليست العشرة أصلاً له.
ولما عرَّف المصنف الأصل، عرَّف مقابله وهو الفرع على سبيل الاستطراد فقال: "وَالفَرْعُ مَا يُبْنَى على غَيرِهِ" وذلك كفروع الشجرة لأصولها، وفروع الفقه لأصوله.
تعريف الفقه:
الفقه لغة هو الفهم، واصطلاحا عرفه المصنف بقوله: "وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
والمراد بالــمعرفة هنا: العلم بمعنى الظن لا اليقين، وقد أطلق المعرفة التي هي بمعنى العلم على الظن؛ لأن المراد بذلك ظن المجتهد، الذي هو لقوته قريب من العلم.
والمراد بـالأحكام الشرعية، الأحكام التي مصدرها الشرع، وبذلك تخرج الأحكامُ العقلية، كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، والحسية كالعلم بأن النار محرقة.
ويدخل في التعريف كل الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد، كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة، وأن الوتر سنة مؤكدة عند المالكية، وأن تبييت النية شرط في الصوم، وأن الزكاة واجبة في مال الصبي، وغير واجبة في الحلي المباح، ونحو ذلك من المسائل الخلافية.
ويخرج بهذا التعريف:
- ما ليس طريقه الاجتهاد من الأحكام الصريحة في نصوص الشرع، كالعلم بأن الصلوات الخمس واجبة، وأن الزنى محرم، فلا يسمى معرفة ذلك فقها؛ لأن معرفة ذلك يَشتركُ فيها الخاص والعام.
- الأحكام الاعتقادية كالعلم بالله سبحانه وتعالى وصفاته ونحو ذلك من المسائل القطعية التي لا مجال فيها للاجتهاد.
ثانيا: تعريف أصول الفقه باعتباره لقبا:
عرفه المصنف بقوله: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا" فقوله: "طُرُقُـــهُ"، أي: طرق الفقه الموصلة إليه، وقوله: "عَلَى سَبِيلِ الإجْمَالِ" أي: من غير تعيين، كالكلام على مطلق الأمر والنهي وفعل النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس والاستصحاب والعام والخاص والمجمل والمبين وغير ذلك، المبحوثِ عن أوَّلها بأنه للوجوب حقيقة، وعن الثاني بأنه للحرمة كذلك، وعن البواقي بأنها حُجَجٌ وغير ذلك مما سيأتي. بخلافِ طُرق الفقه الموصلة إليه على سبيل التعيين والتفصيل، بحيث إنَّ كل طريقٍ توصل إلى مسألة جزئية تدل على حكمها نصا أو استنباطا، نحو:
البقرة: 42
الإسراء: 32
وصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة، والإجماع على أن لبنت الابن السدس مع بنت الصلب حيث لا عاصب لها، وقياس الأرز على البُّرِّ في امتناع بيعِ بعضِه ببعض إلا مثلاً بمثل، يداً بيد، واستصحاب العصمة للزوجة التي حصل الشك في بقاء عصمتها، فإن هذه الطرق تعد من علم الفقه، وليست من علم أصول الفقه وإن ذكر بعضها في كتبه تمثيلاً.
وكيفية الاستدلال بالطرق المذكورة تستدعي الكلام على صفات مَنْ يستدِلُّ بها، وهو المجتهد، فتحصل أن هذا الفن المسمى بهذا اللقب، أعني أصول الفقه يشمل ثلاثة أمور، هي: طرقُ الفقه الإجمالية. وكيفيةُ الاستدلال بها. وصفات من يستدل بها.
التقويم
- أعرف الفقه لغة واصطلاحا وأبين ما دخل في التعريف وما خرج منه.
- ما معنى أصول الفقه لقبا؟
- ما العلاقة بين الفقه وأصوله؟
- أذكر بعض النماذج من القواعد التي تدخل في أصول الفقه.
الاستثمار
يقول الإمام القرافي رحمه الله: "فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُعَظَّمَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ زَادَ اللَّهُ تَعَالَى مَنَارَهَا شَرَفًا وَعُلُوًّا اشْتَمَلَتْ عَلَى أُصُولٍ وَفُرُوعٍ. وَأُصُولُهَا قِسْمَانِ، أَحَدُهُمَا: الْمُسَمَّى بِأُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ فِي غَالِبِ أَمْرِهِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوَاعِدُ الْأَحْكَامِ النَّاشِئَةُ عَنِ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ خَاصَّةً وَمَا يَعْرِضُ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ النَّسْخِ وَالتَّرْجِيحِ، وَنَحْو الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَالنَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ، وَالصِّيغَةِ الْخَاصَّةِ لِلْعُمُومِ وَنَحْو ذَلِكَ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ إلَّا كَوْنُ الْقِيَاسِ حُجَّةً وَخَبَرُ الْوَاحِدِ وَصِفَاتُ الْمُجْتَهِدِينَ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ جَلِيلَةٌ، كَثِيرَةُ الْعَدَدِ، عَظِيمَةُ الْمَدَدِ، مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَسْرَارِ الشَّرْعِ وَحِكَمِهِ، لِكُلِّ قَاعِدَةٍ مِنْ الْفُرُوعِ فِي الشَّرِيعَةِ مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا شَيْءٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ". [الفروق لشهاب الدين القرافي: 1 / 3]
أتأمل النص وأجيب عن الآتي:
- ما هي أنواع أصول الشريعة؟
- من أين تُستمد قواعد أصول الفقه؟
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- ما هي أقسام الحكم الشرعي؟
- أحدد مفهوم المصطلحات الآتية: الواجب، المندوب، المباح، المحظور، المكروه، الصحيح، الفاسد.
الأهداف
- أن أتعرف مفهوم أصول الفقه.
- أن أميز بين التعريف الإضافي واللقبي لأصول الفقه.
- أن أستشعر أهمية علم أصول الفقه في التوصل إلى الأحكام الشرعية.
تمهيد
بدأ المؤلف رحمه الله كتابه بتعريف أصول الفقه، فعرفه باعتباره مركبا من خلال تعريف جزءيه، ثم عرفه لاحقا باعتباره لقبا على علم خاص، وقد اخترنا جمع التعريفين معا (الإضافي واللقبي) في هذا الدرس تقريبا للفهم وتفاديا للتكرار.
فما هو الأصل والفقه؟ وما معنى علم أصول الفقه؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "أمَّا بَعْدُ؛ هَذِهِ وَرَقَاتٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ فُصُولٍ مَنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَذَلِكَ مُؤَلَّفٌ مِنْ جُزْءَيْنِ مُفْرَدَيْنِ. فالأَصْلُ: مَا بُنِى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ: مَا يُبْنَى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
وقال أيضا: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا".
الفهم
الشرح:
فُصُــولٍ: جمع فصل، اسم لطائفة من المسائل تشترك في حكم.
مُؤَلَّـــفٌ: من التأليف، وهو حصول الألفة والتناسب بين الجزءين، فهو أخص من التركيب الذي هو ضم كلمة إلى أخرى، وقيل: إنهما بمعنى واحد.
مفردين: من الإفراد المقابل للتركيب، لا المقابل للتثنية والجمع، فإن الإفراد يطلق في مقابلة كل منهما، ولا تصلح إرادة الثاني هنا؛ لأن أحد الجزءين الذين وصفهما بالإفراد لفظ" أصول" وهو جمع.
استخلاص مضامين المتن:
- أعرف أصول الفقه باعتباره مركبا إضافيا.
- ما هو مفهوم علم أصول الفقه؟
التحليل
ذكر المصنف رحمه الله معنيين للفظ أصول الفقه، أحدهما: معناه الإضافي، وهو ما يُفهم من مفرديه عند تقييد الأول بإضافته للثاني، وثانيهما: معناه اللَّقبي، وهو العلم الذي جُعل هذا التركيب الإضافي لقبا له، ونُقل عن معناه الأول إليه.
أولا: تعريف أصول الفقه باعتباره مركبا:
عرف المصنف أصول الفقه باعتباره مركبا بتعريف جزءيه حيث قال: "فَالأَصْلُ ما يُبْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ مَا بُنِى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
تعريف الأصل:
عرف المصنف الأصل بقوله: "فالأصْلُ مَا بُنِىَ عليهِ غَيْرُهُ "، أي: فالأصل الذي هو الجزء الأول من المركب الإضافي، ما بُني عليه غيره، كأصل الجدار أي: أساسه، وأصل الشجرة أي: طرفها الثابت في الأرض. وهو أقرب تعريف للأصل؛ فإن الحسَّ يشهد له كما في أصلِ الجدار والشجرة. فأصول الفقه أدلته التي يبنى عليها.
وتعريف المصنف هذا أحسن من قول بعض الأصوليين: "الأصل هو المحتاج إليه"، فإن الشجرة محتاجة إلى الثمرة من حيث كمالها، وليست الثمرة أصلا للشجرة، ومن قول بعضهم: "الأصل ما منه الشيء"، فإن الواحد من العشرة وليست العشرة أصلاً له.
ولما عرَّف المصنف الأصل، عرَّف مقابله وهو الفرع على سبيل الاستطراد فقال: "وَالفَرْعُ مَا يُبْنَى على غَيرِهِ" وذلك كفروع الشجرة لأصولها، وفروع الفقه لأصوله.
تعريف الفقه:
الفقه لغة هو الفهم، واصطلاحا عرفه المصنف بقوله: "وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
والمراد بالــمعرفة هنا: العلم بمعنى الظن لا اليقين، وقد أطلق المعرفة التي هي بمعنى العلم على الظن؛ لأن المراد بذلك ظن المجتهد، الذي هو لقوته قريب من العلم.
والمراد بـالأحكام الشرعية، الأحكام التي مصدرها الشرع، وبذلك تخرج الأحكامُ العقلية، كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، والحسية كالعلم بأن النار محرقة.
ويدخل في التعريف كل الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد، كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة، وأن الوتر سنة مؤكدة عند المالكية، وأن تبييت النية شرط في الصوم، وأن الزكاة واجبة في مال الصبي، وغير واجبة في الحلي المباح، ونحو ذلك من المسائل الخلافية.
ويخرج بهذا التعريف:
- ما ليس طريقه الاجتهاد من الأحكام الصريحة في نصوص الشرع، كالعلم بأن الصلوات الخمس واجبة، وأن الزنى محرم، فلا يسمى معرفة ذلك فقها؛ لأن معرفة ذلك يَشتركُ فيها الخاص والعام.
- الأحكام الاعتقادية كالعلم بالله سبحانه وتعالى وصفاته ونحو ذلك من المسائل القطعية التي لا مجال فيها للاجتهاد.
ثانيا: تعريف أصول الفقه باعتباره لقبا:
عرفه المصنف بقوله: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا" فقوله: "طُرُقُـــهُ"، أي: طرق الفقه الموصلة إليه، وقوله: "عَلَى سَبِيلِ الإجْمَالِ" أي: من غير تعيين، كالكلام على مطلق الأمر والنهي وفعل النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس والاستصحاب والعام والخاص والمجمل والمبين وغير ذلك، المبحوثِ عن أوَّلها بأنه للوجوب حقيقة، وعن الثاني بأنه للحرمة كذلك، وعن البواقي بأنها حُجَجٌ وغير ذلك مما سيأتي. بخلافِ طُرق الفقه الموصلة إليه على سبيل التعيين والتفصيل، بحيث إنَّ كل طريقٍ توصل إلى مسألة جزئية تدل على حكمها نصا أو استنباطا، نحو:
البقرة: 42
الإسراء: 32
وصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة، والإجماع على أن لبنت الابن السدس مع بنت الصلب حيث لا عاصب لها، وقياس الأرز على البُّرِّ في امتناع بيعِ بعضِه ببعض إلا مثلاً بمثل، يداً بيد، واستصحاب العصمة للزوجة التي حصل الشك في بقاء عصمتها، فإن هذه الطرق تعد من علم الفقه، وليست من علم أصول الفقه وإن ذكر بعضها في كتبه تمثيلاً.
وكيفية الاستدلال بالطرق المذكورة تستدعي الكلام على صفات مَنْ يستدِلُّ بها، وهو المجتهد، فتحصل أن هذا الفن المسمى بهذا اللقب، أعني أصول الفقه يشمل ثلاثة أمور، هي: طرقُ الفقه الإجمالية. وكيفيةُ الاستدلال بها. وصفات من يستدل بها.
التقويم
- أعرف الفقه لغة واصطلاحا وأبين ما دخل في التعريف وما خرج منه.
- ما معنى أصول الفقه لقبا؟
- ما العلاقة بين الفقه وأصوله؟
- أذكر بعض النماذج من القواعد التي تدخل في أصول الفقه.
الاستثمار
يقول الإمام القرافي رحمه الله: "فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُعَظَّمَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ زَادَ اللَّهُ تَعَالَى مَنَارَهَا شَرَفًا وَعُلُوًّا اشْتَمَلَتْ عَلَى أُصُولٍ وَفُرُوعٍ. وَأُصُولُهَا قِسْمَانِ، أَحَدُهُمَا: الْمُسَمَّى بِأُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ فِي غَالِبِ أَمْرِهِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوَاعِدُ الْأَحْكَامِ النَّاشِئَةُ عَنِ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ خَاصَّةً وَمَا يَعْرِضُ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ النَّسْخِ وَالتَّرْجِيحِ، وَنَحْو الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَالنَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ، وَالصِّيغَةِ الْخَاصَّةِ لِلْعُمُومِ وَنَحْو ذَلِكَ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ إلَّا كَوْنُ الْقِيَاسِ حُجَّةً وَخَبَرُ الْوَاحِدِ وَصِفَاتُ الْمُجْتَهِدِينَ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ جَلِيلَةٌ، كَثِيرَةُ الْعَدَدِ، عَظِيمَةُ الْمَدَدِ، مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَسْرَارِ الشَّرْعِ وَحِكَمِهِ، لِكُلِّ قَاعِدَةٍ مِنْ الْفُرُوعِ فِي الشَّرِيعَةِ مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا شَيْءٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ". [الفروق لشهاب الدين القرافي: 1 / 3]
أتأمل النص وأجيب عن الآتي:
- ما هي أنواع أصول الشريعة؟
- من أين تُستمد قواعد أصول الفقه؟
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- ما هي أقسام الحكم الشرعي؟
- أحدد مفهوم المصطلحات الآتية: الواجب، المندوب، المباح، المحظور، المكروه، الصحيح، الفاسد.
الأهداف
- أن أتعرف مفهوم أصول الفقه.
- أن أميز بين التعريف الإضافي واللقبي لأصول الفقه.
- أن أستشعر أهمية علم أصول الفقه في التوصل إلى الأحكام الشرعية.
تمهيد
بدأ المؤلف رحمه الله كتابه بتعريف أصول الفقه، فعرفه باعتباره مركبا من خلال تعريف جزءيه، ثم عرفه لاحقا باعتباره لقبا على علم خاص، وقد اخترنا جمع التعريفين معا (الإضافي واللقبي) في هذا الدرس تقريبا للفهم وتفاديا للتكرار.
فما هو الأصل والفقه؟ وما معنى علم أصول الفقه؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "أمَّا بَعْدُ؛ هَذِهِ وَرَقَاتٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ فُصُولٍ مَنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَذَلِكَ مُؤَلَّفٌ مِنْ جُزْءَيْنِ مُفْرَدَيْنِ. فالأَصْلُ: مَا بُنِى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ: مَا يُبْنَى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
وقال أيضا: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا".
الفهم
الشرح:
فُصُــولٍ: جمع فصل، اسم لطائفة من المسائل تشترك في حكم.
مُؤَلَّـــفٌ: من التأليف، وهو حصول الألفة والتناسب بين الجزءين، فهو أخص من التركيب الذي هو ضم كلمة إلى أخرى، وقيل: إنهما بمعنى واحد.
مفردين: من الإفراد المقابل للتركيب، لا المقابل للتثنية والجمع، فإن الإفراد يطلق في مقابلة كل منهما، ولا تصلح إرادة الثاني هنا؛ لأن أحد الجزءين الذين وصفهما بالإفراد لفظ" أصول" وهو جمع.
استخلاص مضامين المتن:
- أعرف أصول الفقه باعتباره مركبا إضافيا.
- ما هو مفهوم علم أصول الفقه؟
التحليل
ذكر المصنف رحمه الله معنيين للفظ أصول الفقه، أحدهما: معناه الإضافي، وهو ما يُفهم من مفرديه عند تقييد الأول بإضافته للثاني، وثانيهما: معناه اللَّقبي، وهو العلم الذي جُعل هذا التركيب الإضافي لقبا له، ونُقل عن معناه الأول إليه.
أولا: تعريف أصول الفقه باعتباره مركبا:
عرف المصنف أصول الفقه باعتباره مركبا بتعريف جزءيه حيث قال: "فَالأَصْلُ ما يُبْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ مَا بُنِى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
تعريف الأصل:
عرف المصنف الأصل بقوله: "فالأصْلُ مَا بُنِىَ عليهِ غَيْرُهُ "، أي: فالأصل الذي هو الجزء الأول من المركب الإضافي، ما بُني عليه غيره، كأصل الجدار أي: أساسه، وأصل الشجرة أي: طرفها الثابت في الأرض. وهو أقرب تعريف للأصل؛ فإن الحسَّ يشهد له كما في أصلِ الجدار والشجرة. فأصول الفقه أدلته التي يبنى عليها.
وتعريف المصنف هذا أحسن من قول بعض الأصوليين: "الأصل هو المحتاج إليه"، فإن الشجرة محتاجة إلى الثمرة من حيث كمالها، وليست الثمرة أصلا للشجرة، ومن قول بعضهم: "الأصل ما منه الشيء"، فإن الواحد من العشرة وليست العشرة أصلاً له.
ولما عرَّف المصنف الأصل، عرَّف مقابله وهو الفرع على سبيل الاستطراد فقال: "وَالفَرْعُ مَا يُبْنَى على غَيرِهِ" وذلك كفروع الشجرة لأصولها، وفروع الفقه لأصوله.
تعريف الفقه:
الفقه لغة هو الفهم، واصطلاحا عرفه المصنف بقوله: "وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
والمراد بالــمعرفة هنا: العلم بمعنى الظن لا اليقين، وقد أطلق المعرفة التي هي بمعنى العلم على الظن؛ لأن المراد بذلك ظن المجتهد، الذي هو لقوته قريب من العلم.
والمراد بـالأحكام الشرعية، الأحكام التي مصدرها الشرع، وبذلك تخرج الأحكامُ العقلية، كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، والحسية كالعلم بأن النار محرقة.
ويدخل في التعريف كل الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد، كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة، وأن الوتر سنة مؤكدة عند المالكية، وأن تبييت النية شرط في الصوم، وأن الزكاة واجبة في مال الصبي، وغير واجبة في الحلي المباح، ونحو ذلك من المسائل الخلافية.
ويخرج بهذا التعريف:
- ما ليس طريقه الاجتهاد من الأحكام الصريحة في نصوص الشرع، كالعلم بأن الصلوات الخمس واجبة، وأن الزنى محرم، فلا يسمى معرفة ذلك فقها؛ لأن معرفة ذلك يَشتركُ فيها الخاص والعام.
- الأحكام الاعتقادية كالعلم بالله سبحانه وتعالى وصفاته ونحو ذلك من المسائل القطعية التي لا مجال فيها للاجتهاد.
ثانيا: تعريف أصول الفقه باعتباره لقبا:
عرفه المصنف بقوله: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا" فقوله: "طُرُقُـــهُ"، أي: طرق الفقه الموصلة إليه، وقوله: "عَلَى سَبِيلِ الإجْمَالِ" أي: من غير تعيين، كالكلام على مطلق الأمر والنهي وفعل النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس والاستصحاب والعام والخاص والمجمل والمبين وغير ذلك، المبحوثِ عن أوَّلها بأنه للوجوب حقيقة، وعن الثاني بأنه للحرمة كذلك، وعن البواقي بأنها حُجَجٌ وغير ذلك مما سيأتي. بخلافِ طُرق الفقه الموصلة إليه على سبيل التعيين والتفصيل، بحيث إنَّ كل طريقٍ توصل إلى مسألة جزئية تدل على حكمها نصا أو استنباطا، نحو:
البقرة: 42
الإسراء: 32
وصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة، والإجماع على أن لبنت الابن السدس مع بنت الصلب حيث لا عاصب لها، وقياس الأرز على البُّرِّ في امتناع بيعِ بعضِه ببعض إلا مثلاً بمثل، يداً بيد، واستصحاب العصمة للزوجة التي حصل الشك في بقاء عصمتها، فإن هذه الطرق تعد من علم الفقه، وليست من علم أصول الفقه وإن ذكر بعضها في كتبه تمثيلاً.
وكيفية الاستدلال بالطرق المذكورة تستدعي الكلام على صفات مَنْ يستدِلُّ بها، وهو المجتهد، فتحصل أن هذا الفن المسمى بهذا اللقب، أعني أصول الفقه يشمل ثلاثة أمور، هي: طرقُ الفقه الإجمالية. وكيفيةُ الاستدلال بها. وصفات من يستدل بها.
التقويم
- أعرف الفقه لغة واصطلاحا وأبين ما دخل في التعريف وما خرج منه.
- ما معنى أصول الفقه لقبا؟
- ما العلاقة بين الفقه وأصوله؟
- أذكر بعض النماذج من القواعد التي تدخل في أصول الفقه.
الاستثمار
يقول الإمام القرافي رحمه الله: "فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُعَظَّمَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ زَادَ اللَّهُ تَعَالَى مَنَارَهَا شَرَفًا وَعُلُوًّا اشْتَمَلَتْ عَلَى أُصُولٍ وَفُرُوعٍ. وَأُصُولُهَا قِسْمَانِ، أَحَدُهُمَا: الْمُسَمَّى بِأُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ فِي غَالِبِ أَمْرِهِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوَاعِدُ الْأَحْكَامِ النَّاشِئَةُ عَنِ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ خَاصَّةً وَمَا يَعْرِضُ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ النَّسْخِ وَالتَّرْجِيحِ، وَنَحْو الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَالنَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ، وَالصِّيغَةِ الْخَاصَّةِ لِلْعُمُومِ وَنَحْو ذَلِكَ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ إلَّا كَوْنُ الْقِيَاسِ حُجَّةً وَخَبَرُ الْوَاحِدِ وَصِفَاتُ الْمُجْتَهِدِينَ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ جَلِيلَةٌ، كَثِيرَةُ الْعَدَدِ، عَظِيمَةُ الْمَدَدِ، مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَسْرَارِ الشَّرْعِ وَحِكَمِهِ، لِكُلِّ قَاعِدَةٍ مِنْ الْفُرُوعِ فِي الشَّرِيعَةِ مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا شَيْءٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ". [الفروق لشهاب الدين القرافي: 1 / 3]
أتأمل النص وأجيب عن الآتي:
- ما هي أنواع أصول الشريعة؟
- من أين تُستمد قواعد أصول الفقه؟
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- ما هي أقسام الحكم الشرعي؟
- أحدد مفهوم المصطلحات الآتية: الواجب، المندوب، المباح، المحظور، المكروه، الصحيح، الفاسد.
الأهداف
- أن أتعرف مفهوم أصول الفقه.
- أن أميز بين التعريف الإضافي واللقبي لأصول الفقه.
- أن أستشعر أهمية علم أصول الفقه في التوصل إلى الأحكام الشرعية.
تمهيد
بدأ المؤلف رحمه الله كتابه بتعريف أصول الفقه، فعرفه باعتباره مركبا من خلال تعريف جزءيه، ثم عرفه لاحقا باعتباره لقبا على علم خاص، وقد اخترنا جمع التعريفين معا (الإضافي واللقبي) في هذا الدرس تقريبا للفهم وتفاديا للتكرار.
فما هو الأصل والفقه؟ وما معنى علم أصول الفقه؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "أمَّا بَعْدُ؛ هَذِهِ وَرَقَاتٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ فُصُولٍ مَنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَذَلِكَ مُؤَلَّفٌ مِنْ جُزْءَيْنِ مُفْرَدَيْنِ. فالأَصْلُ: مَا بُنِى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ: مَا يُبْنَى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
وقال أيضا: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا".
الفهم
الشرح:
فُصُــولٍ: جمع فصل، اسم لطائفة من المسائل تشترك في حكم.
مُؤَلَّـــفٌ: من التأليف، وهو حصول الألفة والتناسب بين الجزءين، فهو أخص من التركيب الذي هو ضم كلمة إلى أخرى، وقيل: إنهما بمعنى واحد.
مفردين: من الإفراد المقابل للتركيب، لا المقابل للتثنية والجمع، فإن الإفراد يطلق في مقابلة كل منهما، ولا تصلح إرادة الثاني هنا؛ لأن أحد الجزءين الذين وصفهما بالإفراد لفظ" أصول" وهو جمع.
استخلاص مضامين المتن:
- أعرف أصول الفقه باعتباره مركبا إضافيا.
- ما هو مفهوم علم أصول الفقه؟
التحليل
ذكر المصنف رحمه الله معنيين للفظ أصول الفقه، أحدهما: معناه الإضافي، وهو ما يُفهم من مفرديه عند تقييد الأول بإضافته للثاني، وثانيهما: معناه اللَّقبي، وهو العلم الذي جُعل هذا التركيب الإضافي لقبا له، ونُقل عن معناه الأول إليه.
أولا: تعريف أصول الفقه باعتباره مركبا:
عرف المصنف أصول الفقه باعتباره مركبا بتعريف جزءيه حيث قال: "فَالأَصْلُ ما يُبْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ مَا بُنِى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
تعريف الأصل:
عرف المصنف الأصل بقوله: "فالأصْلُ مَا بُنِىَ عليهِ غَيْرُهُ "، أي: فالأصل الذي هو الجزء الأول من المركب الإضافي، ما بُني عليه غيره، كأصل الجدار أي: أساسه، وأصل الشجرة أي: طرفها الثابت في الأرض. وهو أقرب تعريف للأصل؛ فإن الحسَّ يشهد له كما في أصلِ الجدار والشجرة. فأصول الفقه أدلته التي يبنى عليها.
وتعريف المصنف هذا أحسن من قول بعض الأصوليين: "الأصل هو المحتاج إليه"، فإن الشجرة محتاجة إلى الثمرة من حيث كمالها، وليست الثمرة أصلا للشجرة، ومن قول بعضهم: "الأصل ما منه الشيء"، فإن الواحد من العشرة وليست العشرة أصلاً له.
ولما عرَّف المصنف الأصل، عرَّف مقابله وهو الفرع على سبيل الاستطراد فقال: "وَالفَرْعُ مَا يُبْنَى على غَيرِهِ" وذلك كفروع الشجرة لأصولها، وفروع الفقه لأصوله.
تعريف الفقه:
الفقه لغة هو الفهم، واصطلاحا عرفه المصنف بقوله: "وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
والمراد بالــمعرفة هنا: العلم بمعنى الظن لا اليقين، وقد أطلق المعرفة التي هي بمعنى العلم على الظن؛ لأن المراد بذلك ظن المجتهد، الذي هو لقوته قريب من العلم.
والمراد بـالأحكام الشرعية، الأحكام التي مصدرها الشرع، وبذلك تخرج الأحكامُ العقلية، كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، والحسية كالعلم بأن النار محرقة.
ويدخل في التعريف كل الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد، كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة، وأن الوتر سنة مؤكدة عند المالكية، وأن تبييت النية شرط في الصوم، وأن الزكاة واجبة في مال الصبي، وغير واجبة في الحلي المباح، ونحو ذلك من المسائل الخلافية.
ويخرج بهذا التعريف:
- ما ليس طريقه الاجتهاد من الأحكام الصريحة في نصوص الشرع، كالعلم بأن الصلوات الخمس واجبة، وأن الزنى محرم، فلا يسمى معرفة ذلك فقها؛ لأن معرفة ذلك يَشتركُ فيها الخاص والعام.
- الأحكام الاعتقادية كالعلم بالله سبحانه وتعالى وصفاته ونحو ذلك من المسائل القطعية التي لا مجال فيها للاجتهاد.
ثانيا: تعريف أصول الفقه باعتباره لقبا:
عرفه المصنف بقوله: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا" فقوله: "طُرُقُـــهُ"، أي: طرق الفقه الموصلة إليه، وقوله: "عَلَى سَبِيلِ الإجْمَالِ" أي: من غير تعيين، كالكلام على مطلق الأمر والنهي وفعل النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس والاستصحاب والعام والخاص والمجمل والمبين وغير ذلك، المبحوثِ عن أوَّلها بأنه للوجوب حقيقة، وعن الثاني بأنه للحرمة كذلك، وعن البواقي بأنها حُجَجٌ وغير ذلك مما سيأتي. بخلافِ طُرق الفقه الموصلة إليه على سبيل التعيين والتفصيل، بحيث إنَّ كل طريقٍ توصل إلى مسألة جزئية تدل على حكمها نصا أو استنباطا، نحو:
البقرة: 42
الإسراء: 32
وصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة، والإجماع على أن لبنت الابن السدس مع بنت الصلب حيث لا عاصب لها، وقياس الأرز على البُّرِّ في امتناع بيعِ بعضِه ببعض إلا مثلاً بمثل، يداً بيد، واستصحاب العصمة للزوجة التي حصل الشك في بقاء عصمتها، فإن هذه الطرق تعد من علم الفقه، وليست من علم أصول الفقه وإن ذكر بعضها في كتبه تمثيلاً.
وكيفية الاستدلال بالطرق المذكورة تستدعي الكلام على صفات مَنْ يستدِلُّ بها، وهو المجتهد، فتحصل أن هذا الفن المسمى بهذا اللقب، أعني أصول الفقه يشمل ثلاثة أمور، هي: طرقُ الفقه الإجمالية. وكيفيةُ الاستدلال بها. وصفات من يستدل بها.
التقويم
- أعرف الفقه لغة واصطلاحا وأبين ما دخل في التعريف وما خرج منه.
- ما معنى أصول الفقه لقبا؟
- ما العلاقة بين الفقه وأصوله؟
- أذكر بعض النماذج من القواعد التي تدخل في أصول الفقه.
الاستثمار
يقول الإمام القرافي رحمه الله: "فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُعَظَّمَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ زَادَ اللَّهُ تَعَالَى مَنَارَهَا شَرَفًا وَعُلُوًّا اشْتَمَلَتْ عَلَى أُصُولٍ وَفُرُوعٍ. وَأُصُولُهَا قِسْمَانِ، أَحَدُهُمَا: الْمُسَمَّى بِأُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ فِي غَالِبِ أَمْرِهِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوَاعِدُ الْأَحْكَامِ النَّاشِئَةُ عَنِ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ خَاصَّةً وَمَا يَعْرِضُ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ النَّسْخِ وَالتَّرْجِيحِ، وَنَحْو الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَالنَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ، وَالصِّيغَةِ الْخَاصَّةِ لِلْعُمُومِ وَنَحْو ذَلِكَ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ إلَّا كَوْنُ الْقِيَاسِ حُجَّةً وَخَبَرُ الْوَاحِدِ وَصِفَاتُ الْمُجْتَهِدِينَ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ جَلِيلَةٌ، كَثِيرَةُ الْعَدَدِ، عَظِيمَةُ الْمَدَدِ، مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَسْرَارِ الشَّرْعِ وَحِكَمِهِ، لِكُلِّ قَاعِدَةٍ مِنْ الْفُرُوعِ فِي الشَّرِيعَةِ مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا شَيْءٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ". [الفروق لشهاب الدين القرافي: 1 / 3]
أتأمل النص وأجيب عن الآتي:
- ما هي أنواع أصول الشريعة؟
- من أين تُستمد قواعد أصول الفقه؟
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- ما هي أقسام الحكم الشرعي؟
- أحدد مفهوم المصطلحات الآتية: الواجب، المندوب، المباح، المحظور، المكروه، الصحيح، الفاسد.
الأهداف:
- أن أتعرف الحكم الشرعي وأقسامه.
- أن أميز بين مصطلحات ومفاهيم الأحكام الشرعية.
- أن أتمثل مراتب الأحكام الشرعية، وحكمة الإسلام من ذلك.
تمهيد:
من المعلوم أن الحكم الشرعي هو ثمرة علم أصول الفقه، ولذلك اعتاد الأصوليون الحديث عنه ضمن مقدمات كتبهم ومصنفاتهم حيث تحدثوا عن مفهومه وأقسامه والتمييز بين مصطلحاته.
فما هو الحكم الشرعي؟ وما هي أقسامه؟
المتن:
قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَالأحْكَامُ سَبْعَةٌ: الْوَاجِبُ، وَالمَنْدُوبُ، والْمُبَاحُ، والْمَحْظُورُ، وَالمَكْرُوهُ، وَالصَّحِيحُ، وَالْبَاطِلُ. فَالْوَاجِبُ: مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ. وَالْمَنْدُوبُ: مَا يُثَاب عَلَى فِعْلِهِ، وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ. وَالْمُبَاحُ: مَا لا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ. وَالْمَحْظُورُ: مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ. وَالْمَكْرُوهُ: مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَلا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ. وَالصَحِيحُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ وَيُعْتَدُّ بِهِ. وَالْبَاطِلُ: مَا لا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ وَلا يُعْتَدُّ بِهِ".
الفهم:
الشرح:
المَنْدُوبُ: مأخوذ من الندب، وهو الطلب. الْمَحْظُورُ: الممنوع. النُّـــفُــوذُ: البلوغ إلى المقصود. يُعْــــتَــــدُّ: الاعتداد بالشيء: اعتباره صحيحا مجزئا ومنتجا لآثاره.
استخلاص مضامين المتن:
- أعرف الحكم الشرعي وأبين أقسامه.
- أميز بين أنواع الحكم الشرعي.
التحليل:
يشتمل هذا الدرس على ما يأتي:
أولا: تعريف الحكم الشرعي:
الحكم لغة: القضاء والمنع، وفي الاصطلاح عرفه المصنف بالعدِّ؛ حيث قال: "وَالأحْكَامُ سَبْعَةٌ: الْوَاجِبُ، وَالمَنْدُوبُ، والْمُبَاحُ، والْمَحْظُورُ، وَالمَكْرُوهُ، وَالصَّحِيحُ، وَالْبَاطِلُ". وقد رسمه الأصوليون ومنهم ابن الحاجب رحمه الله بأنه: "خِطَابُ اللَّهِ، الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، بِالِاقْتِضَاءِ، أَوِ التَّخْيِيرِ، أَوِ الْوَضْعِ ". [مختصر ابن الحاجب مع شرحه رفع الحاجب: 1 / 482].
فالمراد بــقوله: "خِطَابُ اللَّهِ " كلامه القديم المدلول عليه بالوحي قرآنا أوسنة؛ إذ لا حكم إلا للشارع وهو الله جل جلاله؛ وبذلك يخرج خطاب غير الشارع وتخرج أيضا الأحكام المستنِدة إلى العقل أو العادة.
والمراد بقوله: "الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ" الذي يبين كيفية عمل المكلف، وبذلك يخرج الخطاب المتعلق بذات الله تعالى، نحو:
آل عمران: 18
أو صفاته، نحو:
البقرة: 253
أو أفعاله، نحو:
الرعد: 18
أو بذوات المكلفين نحو:
الأعراف: 10
أو بالجمادات؛ نحو:
الكهف: 46
والمراد بأفعال المكلفين: كل ما يمكن حدوثه ويصح أن يكون فعلا. فيشمل جميع أعمال الجوارح حتى النيات والأقوال.
والمراد بقوله: "بِالِاقْتِضَاءِ": الطلبُ، وهو إما طلب الفعل جازما وهو الإيجاب، أو غير جازم وهو الندب، وإما طلب الترك جازما وهو التحريم، أو غير جازم وهو الكراهة. والمراد بقوله: "أَوِ التَّخْيِيرِ" أي: بين الفعل والترك، وهو الإباحة.
وأما قوله: "أَوِ الْوَضْعِ" فقد زادها ابن الحاجب ليُدخل الحكم الوضعي الذي يعده كثير من الأصوليين قسيما للحكم التكليفي وهو: "خطاب اللَّه المتعلق بجعل الشيء سببا أو شرطا أو مانعا" كجعل الله تعالى زوال الشمس سببا لوجوب صلاة الظهر، وجعله الطهارة شرطا لصحة الصلاة، والنجاسة مانعة من صحتها، فإن هذا الجَعل المذكور حكم شرعي استفدناه من الشارع، وليس فيه اقتضاء ولا تخيير.
وقد اعترض على المصنف تقسيمه الأحكام الشرعية إلى سبعة دون الإشارة الى الأحكام الوضعية مع أنها شرعية أيضا وهي زائدة على الأحكام التكليفية، وأجيب عن ذلك بأن المصنف ذهب مذهب من لا يرى استقلال الأحكام الوضعية، وأنها راجعة للأحكام التكليفية ولذلك قال الحطاب رحمه الله: "لأن الصحيح إما واجب أو غيره..." أي: أن خطاب الوضع يرجع إلى خطاب التكليف.
ثانيا: أقسام الحكم االشرعي:
ذكر المصنف أن الحكم الشرعي سبعة أقسام هي: "الوَاجِبُ والمَندُوبُ وَالمُبَاحُ والمَحْظُورُ والمَكْرُوهُ والصَّحِيحُ وَالبَاطِلُ".
وقد جاء ذلك عقب تعريفه للفقه بأنه: "مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ" مما يعني أن الفقه هو العلمُ بالجزئيات المندرجة تحت هذه الأحكام السبعة، أي: الواجبات والمندوبات والمباحات والمحظورات والمكروهات والأفعال الصحيحة والأفعال الباطلة، كالعلم بأن هذا الفعل مثلاً واجب، وهذا مندوب، وهذا مباح، وهذا محظور، وهذا مكروه، وهذا صحيح، وهذا باطل، وليس الفقه هو العلم بتعريفات هذه الأحكام المذكورة، فإن ذلك مما يعرف في علم أصول الفقه لا من علم الفقه.
وإطلاق الأحكام على الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام فيه تجوُّز؛ لأنها متعلَّق الأحكام، والأحكام حقيقة هي: الإيجابُ والندبُ والإباحةُ والكراهةُ والتحريمُ.
وجعْلُ المصنف الأحكامَ سبعةً اصطلاحٌ له، والذي عليه الجمهور أن الأحكام خمسة لا سبعة؛ لأن الصحيح إما واجب أو غيره، والباطل داخل في المحظور. وجعل بعضهم الأحكام تسعةً بزيادة الرخصة والعزيمة، وهما أيضاً راجعان إلى الأحكام الخمسة. وقد عرف المصنف هذه الأحكام السبعة بذكر لازمِ كلِّ واحدٍ منها، وهي:
الواجب:
عرفه المصنف بقوله: "فالوَاجِبُ مَا يُثَاب عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ" أي: فالواجب من حيث وصفُه بالوجوب، هو ما يثاب على فعله، ويعاقب على تركه كالصلاة المفروضة، والزكاة والصيام وغيرها، فالثواب على الفعل والعقابُ على التركِ أمرٌ لازمٌ للواجب من حيث وصفه بالوجوب، وليس هو حقيقة الواجب، فإن الصلاة مثلا أَمر مَعقولٌ متصوَّر في نفسه، وهو غير حصول الثَّواب بفعلها والعقاب بتركها.
فالتعريف المذكور ليس تعريفا بحقيقة الواجب؛ إذ لا يمكن تعريف حقيقته لكثرة أصناف الواجبات واختلاف حقائقها، وإنما المقصود بيان الوصفِ الذي اشتركت فيه حتى صح صِدق اسم الواجِبِ عليها. ومثل هذا يقال في بقية الأحكام.
فإن قيل: قوله: "وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ" يقتضى لزوم العقاب لكل من ترك واجبا، وليس ذلك بلازم على مذهب أهل السنة والجماعة. فالجواب: أنه يكفي في صدق العقاب على الترك وجودُه لواحدٍ من العصاة، مع العفو عن غيره. أو يقال: المراد بقوله: "وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ"، ترتب العقابِ على تركه، كما عبَّر بذلك غير واحد، وذلك لا ينافي العفو عنه.
وأُورِد على التعريف المذكور أيضا أنه غير مانع، لدخول كثير من السنن فيه، فإن الأذان سنة، وإذا تركه أهل بلد عوقبوا، وكذلك صلاة العيدين عند من يقول بذلك، ومن ترك الوتر ردَّت شهادته ونحو ذلك، وأجيب: بأن المراد عقاب الآخرة، وبأن العقوبة في هذه الأشياء المذكورة ليست على نفس الترك بل على لازمه، وهو الانحلال من الدين، وهو حرام، وردُّ الشهادة ليس عقاباً، وإنما هو بسبب عدم الأهلية لرتبة شرعية شرطُها كمالاتٌ تجتمع من فعل وترك، فدخل فيها الواجب وغيره.
المندوب:
عرفه المصنف بقوله: "وَالْمَنْدُوبُ: مَا يُثَاب عَلَى فِعْلِهِ، وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ" المندوب من حيث وصفه بالندب هو ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه، مثل نوافل الصلاة والصيام، والصدقات.
المباح:
عرفه المصنف بقوله: "وَالْمُباحُ: مَا لا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ" أي: أن المبَاح من حيث وصفُه بالإباحة هو"مَا لا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ"، ولا على تركه، "وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ"، ولا على فعله، أي: لا يتعلق بكل من فعله وتركه ثواب ولا عقاب، مثال ذلك: ما زاد على الواجب من تناول الطعام والشراب إذا لم يصل إلى حد الإسراف.
المحظور:
عرفه المصنف بقوله: "وَالْمَحْظُورُ: مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ" أي: أن المحظُور من حيث وصفُه بالحظر، أي: بالحرمة "مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ" امتثالاً، "وَيُعَاقَبُ عَلى فِعْلِهِ" مثل: تناول المحرمات كشرب الخمر والزنا والاعتداء على أنفس الناس وأموالهم.
المكروه:
عرفه المصنف بقوله: "وَالْمَكْرُوهُ: مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَلا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ" أي: أن المكرُوه من حيث وصفه بالكراهة "مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ" امتثالاً، "وَلا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ" مثل: الزيادة في الوضوء على العدد أو القدر الذي حدده الشارع، وتغميض العينين في الصلاة.
وإنما قُيد ترتب الثواب على الترك في المحظور والمكروه امتثالاً؛ لأنَّ المحرمات والمكروهات يخرج الإنسان من عهدتها بمجرد تركها، وإنْ لم يشعر بها فضلاً عن القصد إلى تركها، لكنَّه لا يترتب الثَّوَابُ عَلَى التَّرْكِ إلا إذا قصد به الامتثال.
فإن قيل: وكذلك الواجبات والمندوبات لا يترتب الثواب على فعلها إلا إذا قصد به الامتثال، فالجواب: أن الأمر كذلك، ولكنه لما كان كثيرٌ من الواجبات لا يتأتى الإتيان بها إلا إذا قصد بها الامتثال، وهو كل واجب لا يصح فعله إلا بنية، لم يحتج إلى التقييد بذلك، وإن كان بعض الواجبات تبرأ الذمة بفعله، ولا يترتب الثواب على ذلك إلا إذا قصد الامتثال، كنفقات الزوجات وردِّ المغصوب والودائع وردِّ الديون ونحو ذلك مما يصح بغير نية. والحاصل أن تعريف المصنف للمكروه تعريف بالأثر، وإلا فهو ما نهى عنه الشارع نهيا مخصوصا غير جازم.
الصحيح:
عرفه المصنف بقوله: "وَالصَحِيحُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ وَيُعْتَدُّ بِهِ" أي: أن الصَّحيح من حيث وصفُه بالصحة اصطلاحاً: "مَا يَتَعلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ" أي: البلوغ إلى المقصود، كحلِّ الانتفاع في البيع والاستمتاع في النكاح في العقود.
ومعنى قوله: "وَيُعتَدُّ بِهِ" أي: في الشرع، بأن يكون قَد جمع ما يعتبر في صحته شرعاً، عقداً كان أو عبادة. فالعقد كالبيع الذي توفرت فيه كل أركانه وشروطه، والعبادة كالصلاة المستجمعة لأركانها وشروطها. فالنفوذُ من فعلِ المكلَّف، والاعتداد من فعل الشارع، وقيل: إنهما بمعنى واحد.
الباطل:
عرفه المصنف بقوله: "وَالْبَاطِلُ: مَا لا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ وَلا يُعْتَدُّ بِهِ" أي: أن البَاطِل من حيث وصفُه بالبطلان: "مَا لا يَتعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ وَلا يُعتَدُّ بِهِ" بأن لم يستجمع ما يعتبر فيه شرعاً، عقداً كان أو عبادةً كالصلاة بدون طهارة، أو بدون ركوع، وعقد البيع على المحرمات أو بيوع الربا. والعقد في الاصطلاح يوصف بالنفوذ والاعتداد، والعبادات توصف بالاعتداد فقط.
التقويم:
- بماذا المصنف الحكم الشرعي؟ ولماذا؟
- ما هو تعريف ابن الحاجب للحكم الشرعي؟
- أعرف الصحيح والباطل وأبين علاقتهما بالحكم الشرعي.
- ما الحكمة الشرعية من تفاوت مراتب الأحكام الشرعية؟
الاستثمار:
روى البخاري في صحيحه: "أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، وَقَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " [صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب المضمضة في الوضوء].
أتأمل الحديث وأجيب عن الآتي:
- أبين الحكم الشرعي لكل فعل من أفعال الوضوء الواردة في الحديث مع بيان مأخذ ذلك.
- أوضح الحكم الشرعي للوضوء في علاقته بالصلاة مع الاستدلال على ذلك.
الأهداف
- أن أتعرف العلم الحادث وأقسامه.
- أن أميز العلم عن غيره مما يشتبه به.
- أن أتمثل مستويات الإدراك في القضايا الفقهية والعقدية.
تمهيد
جرت عادة الأصوليين بالحديث عن بعض المصطلحات المنطقية والكلامية في مقدمات كتبهم، نظرا لقوة الترابط بين علم أصول الفقه وهذه العلوم العقلية، ومن ذلك حديثهم عن العلم وأقسامه وطرق تحصيله وكذا عن الجهل والنظر والفكر والظن والشك.
فما هو العلم الحادث؟ وما هي أقسامه؟ وما هي طرق تحصيله؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَالْفِقْهُ أَخَصُّ مِنَ العِلْمِ. وَالْعِلْمُ مَعْرِفَةُ الْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ. وَالْجَهْلُ تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلافِ مَا هُوَ بِهِ. وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ مَا لا يَقَعُ عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلال كَالْعلمِ الْوَاقِع بِإِحْدَى الْحَواسِّ الْخمسِ الَّتِي هِيَ السّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَاللَّمْسُ وَأَمَّا الْعِلْمُ الْمُكْتَسَبُ، فَهُو الْمَوْقُوفُ عَلَى النَّظَرِ وَالاسْتِدْلالِ. وَالنَّظَرُ هُوَ الْفِكْرُ فِي حَالِ الْمَنْظُورِ فِيهِ. وَالاسْتِدْلالُ طَلَبُ الدَلِيلِ. وَالدَّلِيلُ هُوَ الْمُرْشِدُ إِلَى الْمَطْلُوبِ لأنَّهُ عَلامَةٌ عَلَيْهِ. وَالظَّنُّ تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَظْهَرُ مِنَ الآخَر. وَالشَّكُّ تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ لَا مَزِيَّةَ لأَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ".
الفهم
الشرح:
العِلْـــم: المعرفة، ويطلق بإطلاق خاص على الإدراك الجازم المطابق للواقع.
الْجَهْل: ضد العلم.
الدَّلِيـلُ: المرشد.
الظَّــنُّ: التردد الراجح.
الشَّــكُّ: التردد بين الأمرين.
استخلاص مضامين المتن:
- أعرف العلم وأبين أقسامه.
- أحدد مفهوم النظر والاستدلال والدليل.
التحليل
يشتمل هذا الدرس على ما يأتي:
أولا: تعريف العلم وبيان أقسامه:
تعريف العلم:
سبق للمصنف تعريف الفقه بأنه: "مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ". وهو بهذا المعنى أخص من العلم؛ لصدق العلم على معرفة الفقه والنحو وغيرهما، فكلُّ فقه علم، وليس كلُّ علم فقهاً، وأخص منه أيضا في المعنى اللغوي؛ لأن الفقه هو الفهم، والعلم المعرفة، وهي أعم من الفهم.
وقد عرف المصنف العلم في الاصطلاح بقوله: "وَالْعِلْمُ مَعْرِفَةُ الْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ" أي: إدراك ما من شأنه أن يعلم، موجوداً كان أو معدوماً، على ما هو عليه في الواقع، كإدراك معنى الإنسان أي: تصوره بأنه حيوان ناطق، في العلم التصوري (وهو إدراك معاني المفردات)، وكإدراك أن العالم حادث، في العلم التصديقي (وهو إدراك وقوع النسبة أو عدم وقوعها).
ويقابل العلمَ الجهلُ وقد عرفه المصنف بقوله: "وَالْجَهْلُ تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلافِ مَا هُوَ بِهِ"، أي في الواقع، وذلك كتصور الإنسان بأنه حيوان صاهل، وكتصور الفلاسفة أن العالم قديم. فالمرادُ بالتَّصورِ هنا التصوُّرُ المطلق الشامل للتصور الساذج وللتصديق. وبعضُهُم وصفَ هذا بالجهل المركب؛ لأنَّ فيه جهلين: جهلا بالمدرك، وجهلا بأنه جهل به، ويقابله الجهل البسيط وهو عدم العلم بالشيء، كعدم علمنا بالكثير مما تحت الأرضين وما في بطون البحار، وهذا لا يدخل في تعريف المصنف، فلا يسمى عنده جهلاً.
والتعريف الشامل للقسمين أي: البسيط والمركب أن يقال: الجهل انتفاء العلم بالمقصود، أي: ما من شأنِه أن يُقصَدَ فَيُدْرَكَ، إما بأن لم يدرك أصلاً وهو البسيط، أو بأن يُدرَكَ على خلاف ما هو عليه في الواقع، وهو المركب.
أقسام العلم الحادث:
العلم القديم هو علم الله تعالى وهو من صفات المعاني الواجبة في حق الله تعالى، وهذا العلم لا يوصف بأنه ضروري أو مكتسب، ويقابله العلم الحادث وهو العلم الذي يتصف به المخلوقون وهذا الأخير ينقسم إلى قسمين: ضروري ومكتسب.
- العلم الضروري
عرفه المصنف بقوله: "وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ: مَا لا يَقَعُ عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلال كَالْعلمِ الْوَاقِع بِإِحْدَى الْحَواسِّ الْخمسِ الَّتِي هِيَ السّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَاللَّمْسُ". أي: أن العلم الضروري مَا لم يقع عن نظر واستدلال؛ بأن يحصلَ بمجرد التفات النفس إليه، فيضطر الإنسان إلى إدراكه ولا يمكنه دفعه عن نفسه، ومن ذلك العلم الواقع بالحواس الخمس الظاهرة، وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس. ويوجد في بعض النسخ بعد ذكر الحواس الخمس" أَوْ التَّوَاتُرِ"، وهو معطوف على قوله: "بِإِحْدَى الْحَواسِّ الْخمسِ"، ومثاله العلم الحاصل بوجود النبي صلى الله عليه وسلم، وكظهور المعجزات على يديه وعجز الخلق عن معارضته.
ومن العلوم الضرورية العلم الحاصل ببديهة العقل، كالعلم بأن الكلَّ أعظمُ من الجزء، وأنَّ النفي والإثبات لا يجتمعان.
- العلم المكتسب
عرفه المصنف بقوله: "وَأمَّا العِلْمُ المُكْتَسَبُ: فَهُوَ المَوقُوفُ عَلَى النَّظَرِ والاسْتِدْلالِ"، وذلك كالعلم بأن العالم حادث، فإنه موقوف على النظر في العالم ومشاهدة تغيره، فينتقل الذهن من تغيُّره إلى الحكم بحدوثه.
ثانيا: تعريف النظر والاستدلال والدليل:
تعريف النظر:
عرف المصنف النظر بقوله: "وَالنَّظَرُ: هُوَ الفِكْرُ في حَالِ المَنْظُورِ فِيهِ" النظر هو الفكر في في حال المنظور فيه ليؤدى إلى علمٍ أو ظَنٍّ، بمطلوب تصديقي أو تصوري. والفِكرُ حَركةُ النفس في المعقولات، بخلاف حركتها في المحسوسات فإنها تسمى تخييلاً.
تعريف الاستدلال والدليل:
عرف المصنف الاستدلال بقوله: "وَالاسْتِدْلالُ طَلَبُ الدَّلِيلِ" أي: الذي يؤدي إلى مطلوب تصديقي، وعليه فإن النظر أعمُّ من الاستدلال؛ لأنه يكون في التصورات والتصديقات، والاستدلال خاص بالتصديقات.
وأما الدليل فقد عرفه المصنف تعريفا لغويا بقوله: "وَالدَّلِيلُ هُوَ المُرْشِدُ إلى المَطْلُوبِ"؛ لأنه علامةٌ عليه، وعرفه الحطاب تعريفا اصطلاحياً بأنه: "ما يمكِنُ التَّوصُلُ بصَحِيحٍ النَّظَرِ فِيهِ إِلَى مَطْلُوبٍ جُزئِيٍّ". مثل قوله تعالى:
المائدة: 92
.فهو دليل يتوصل به إلى نتيجة مطلوبة هي تحريم الخمر والميسر وما معهما، حيث نجد كل ذلك من رجس الشيطان، وأننا أُمرنا باجتنابه.
وما يتوصل به المستدل من خلال النظر في الدليل إما أن يكون علما أي: يقينا وقد تقدم تعريفه وإما أن يكون ظنا وإما أن يكون شكا.
ولهذا عرف المصنف الظن بقوله: "والظَّنُّ تَجْويزُ أَمْرَينِ أَحدُهُمَا أَظْهَرُ مِنَ الآخَرِ" عند المجوِّز. وقول المصنِّف إن الظنَّ هو التجويز، فيه مسامحة، فإنَّ الظن ليس هو التَّجويز، وإنما هو الطَّرف الراجح من المجوَّزَيْنِ– بفتح الواو– ، والطَّرفُ المرجوحُ المقابلُ له يقال له وَهْمٌ.
وعرف المصنف الشك بقوله: "والشَّكُّ تَجويزُ أَمرَينِ لا مَزِيَّةَ لأحَدِهما عَلَى الآخَر" عند المجوِّز؛ فالتردد في ثبوت قيام شخص ونفيه على السواء شك، ومع رجحان أحدهما ظَنٌّ للطَّرفِ الرَّاجِحِ، ووَهْمٌ للطَّرف المرجوح.
التقويم
- أعرف العلم وأبين الفرق بينه وبين الفقه.
- أميز بين العلم الضروري وبين العلم النظري مع التمثيل.
- ما الفرق بين الظن والشك؟ وما علاقتهما بالعلم؟
الاستثمار
جاء في شرح التلقين:
"مَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ النِّيةِ فِي الصَّلَاةِ؟ (.....) فَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ النِّيةِ لِلصَّلَاةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» [صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم...]، وَعُمُومُ هَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ النِّيةِ لِلصَّلَاةِ.
[شرح التلقين لأبي عبد الله المازري: 1 / 452].
أتأمل النص، وأجيب عن الآتي:
- أحدد محل الاستدلال والدليل في النص.
- كيف تم الاستدلال على وجوب النية في الصلاة؟
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- أحدد أبواب أصول الفقه التي ذكرها المصنف في الورقات.
- أبين أقسام الكلام باعتبار تركيبه وباعتبار مدلوله.
الأهداف
- أن أتعرف أبواب أصول الفقه المضمنة بمتن الورقات إجمالا.
- أن أتبين أقسام الكلام من حيث تركيبه ومدلوله.
- أن أتمثل مستويات الكلام في فهمي للنصوص الشرعية.
تمهيد
أبواب أصول الفقه كثيرة، لكنها لا تخرج في مجملها عن قضايا الحكم الشرعي والأدلة الشرعية وكيفية الاستدلال بها، والاجتهاد، وقد فصلها المصنف في مجموعة من الأبواب مبتدئا بأقسام الكلام.
فما هي أبواب أصول الفقه ومباحثه؟ وما هي أقسام الكلام وأساليبه؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا. وَأَبْوَابُ أُصُولِ الْفِقْهِ: أَقْسَامُ الْكَلَامِ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالْعَامُّ، وَالْخَاصُّ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ، وَالظَّاهِرُ، وَالْأَفْعَالُ، وَالنَّاسِخُ، وَالْمَنْسُوخُ، وَالتَّعَارُضُ، وَالْإجْمَاعُ، وَالْأَخْبَارُ، وَالْقِيَاسُ، وَالْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ، وَتَرْتِيبُ الْأَدِلَّةِ، وَصِفَةُ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَأَحْكَامُ الْمُجْتَهِدِينَ.
فَأَمَّا أَقْسَامُ الْكَلَامُ فَأَقَلُّ مَا يَتَرَكَّبُ مِنْهُ الْكَلَامُ: اسْمَانِ، أَوْ اسْمٌ وَفِعْلٌ، أَوْ فِعْلٌ وَحَرْفٌ، أَوْ اسْمٌ وَحَرْفٌ. وَالْكَلَامُ يَنْقَسِمُ إِلَى: أَمْرٍ، وَنَهْيٍ، وَخَبَرٍ، وَاسْتِخْبَارٍ؛ وَيَنْقَسِمُ إِلَى تَمَنٍّ، وَعَرْضٍ، وَقَسَمٍ؛ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَنْقَسِمُ إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ".
الفهم
الشرح:
خَـــــبَـــرٍ: نبأ.
اسْتِخْبَارٍ: طلب الإخبار عن الشيء.
تــــــَمَــنٍّ: مصدر تمنى الشيء أراده، فهو طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر.
عَـــرْضٍ: طلب برفق.
قَـــــسَـــمٍ: حلِف. استخلاص مضامين المتن:
- ما هي أبواب أصول الفقه الواردة في هذا الكتاب؟
- أبين أهم تقسيمات الكلام.
التحليل
يشتمل هذا الدرس على ما يلي:
أولاً: أبواب أصول الفقه:
بعد أن عرف المصنف أصول الفقه بقوله: "طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا"،– وهو ما سبق شرحه في الدرس الثاني– استعرض أبواب أصول الفقه التي اشتمل عليها هذا الكتاب فقال: "وَأَبْوَابُ أُصُولِ الْفِقْهِ: أَقْسَامُ الْكَلَامِ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالْعَامُّ، وَالْخَاصُّ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ، وَالظَّاهِرُ، وَالْأَفْعَالُ، وَالنَّاسِخُ، وَالْمَنْسُوخُ، وَالتَّعَارُضُ، وَالْإجْمَاعُ، وَالْأَخْبَارُ، وَالْقِيَاسُ، وَالْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ، وَتَرْتِيبُ الْأَدِلَّةِ، وَصِفَةُ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَأَحْكَامُ الْمُجْتَهِدِينَ".
فقوله: "أَبْوَابُ أُصُولِ الفِقْهِ" مُبْتدأٌ، خبرُهُ "أَقْسَامُ الكَلامِ". وقوله: "وَالعَامُ وَالخَاصُّ"، يذكرُ فيه أيضا المطلق والمقيد. وقوله: "وَالمجمَلُ وَالمبيَّنُ وَالظَّاهِرُ"، وفي بعض النسخ "وَالمؤوَّلُ". وقوله: "وَالأَفْعَالُ" أي: أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهذه جملة أبواب أصول الفقه التي عرض لها المصنف رحمه الله بتفصيل، وأول مبحث من هذه المباحث هو باب الكلام.
ثانيا: أقسام الكلام:
ذكر المصنف عدة تقسيمات للكلام باعتبارت مختلفة نتحدث في هذا الدرس عن تقسيمه باعتبار ما يتركب منه، وباعتبار مدلوله.
تقسيم الكلام باعتبار ما يتركب منه:
قسم المصنف رحمه الكلام باعتبار ما يتركب منه إلى أربعة أقسام حيث قال: "فَأَمَّا أَقْسَامُ الْكَلَامُ فَأَقَلُّ مَا يَتَرَكَّبُ مِنْهُ الْكَلَامُ: اسْمَانِ، أَوْ اسْمٌ وَفِعْلٌ، أَوْ فِعْلٌ وَحَرْفٌ، أَوْ اسْمٌ وَحَرْفٌ".
- أما تركيبه من اسمين فنحو:
الإخلاص:1
. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ...". [ صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصحية ].
- وأما تركيبه من اسم وفعل فنحو: نجح المجتهد، ونحو:
آل عمران: 95
- وأما تركيبه من فعل وحرف فنحو: ما قام، أثبته بعضهم، بناء على عدم عد الضمير المستتر في قام كلمةً لعدم ظهوره، والجمهور على عده كلمة.
- وأما تركيبه من اسم وحرف فمنه ما يقع في النداء، نحو: يا محمد، وأكثر النحاة قالوا: إنما كان نحو يا محمد كلاماً؛ لأنَّ تقديره: أدعو محمدً، أو أنادي محمداً، ولكنَّ غرضَ المصنِّف وغيره من الأصوليين بيانُ أقسام الجملة ومعرفة المفرد من المركب، فلذلك لم يأخذوا فيه بالتحقيق الذي يسلكه النحويون.
تقسيم الكلام باعتبار مدلوله:
قسم المصنف الكلام باعتبار مدلوله إلى سبعة أقسام حيث قال: "وَالْكَلَامُ يَنْقَسِمُ إِلَى: أَمْرٍ، وَنَهْيٍ، وَخَبَرٍ، وَاسْتِخْبَارٍ؛ وَيَنْقَسِمُ إِلَى تَمَنٍّ، وَعَرْضٍ، وَقَسَمٍ".
- أما الأمر فهو ما يدلُّ على طلب الفعل، نحو: قُـــمْ، وقوله تعالى:
الكوثر: 2
- وأما النهي وهو ما يدلُّ على طلب الترك فنحو: لا تقم. وقوله تعالى:
الحجرات: 11
- وأما الخبر فهو ما يحتمل الصدق والكذب منفيا كان أو مثبتا، نحو: نجح المجتهد، وما خاب المجتهد.
- وأما الاستخبار والمراد به الاستفهام، فنحو: هل جاء محمد؟ فيكون جوابه: "نعم" أو "لا".
- وأما التمني فهو طلب ما لا طمع فيه، أو ما فيه عسر: فالأول: كقول الشيخ المُسِنِّ: ليت الشباب يعود يوماً. والثاني: نحو قول منقطع الرجاء: ليتَ لي مالاً فأحج به.
ويمتنعُ التَّمني في الواجب نحو: ليتَ غداً يجيء، إلا أن يكون المطلوب مجيئه الآن فيدخل في القسم الأول.
والحاصلُ أن التمني يكون في الممتنع والممكن الذي فيه عسر. وأما الْعَرْضُ وهو الطلبُ برفق فنحو: أَلَا تنزِل عندنا، ومثله التحضيض إلا أنه طلب بحثٍّ؛ كقولك لمن يُقَصِّرُ في أداء واجبه: هلاّ أديتَ واجبك فتُشكَرَ. وأما القَسَمُ وهو الحلِف، فنحو: والله لأبرن بوالدي.
التقويم
- أستعرض أهم أبواب أصول الفقه الواردة في متن الورقات.
- أحدد أقسام الكلام باعتبار تركيبه مع التمثيل.
- أبين أقسام الكلام باعتبار مدلوله مع التمثيل.
الاستثمار
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: "اعْلَمْ أَنَّك إذَا فَهِمْتَ أَنَّ نَظَرَ الْأُصُولِيِّ فِي وُجُوهِ دَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ اقْتِبَاسِ الْأَحْكَامِ مَنْ الْأَدِلَّةِ، فَوَجَبَ النَّظَرُ فِي الْأَحْكَامِ، ثُمَّ فِي الْأَدِلَّةِ وَأَقْسَامِهَا، ثُمَّ فِي كَيْفِيَّةِ اقْتِبَاسِ الْأَحْكَامِ مَنْ الْأَدِلَّةِ، ثُمَّ فِي صِفَاتِ الْمُقْتَبِسِ الَّذِي لَهُ أَنْ يَقْتَبِسَ الْأَحْكَامَ، فَإِنَّ الْأَحْكَامَ ثَمَرَاتٌ، وَكُلُّ ثَمَرَةٍ فَلَهَا صِفَةٌ وَحَقِيقَةٌ فِي نَفْسِهَا وَلَهَا مُثْمِرٌ، وَمُسْتَثْمِر،ٌ وَطَرِيقٌ فِي الِاسْتِثْمَارِ". [ المستصفى لأبي حامد الغزالي: 1 / 7 ].
أتأمل النص وأجيب عن الآتي:
- ما هي المحاور الكبرى لعلم أصول الفقه المذكورة في النص؟
- كيف تدرج أبواب أصول الفقه التي ذكرها المصنف في هذه المحاور؟
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- أحدد الحقيقة وأبين أقسامها مع التمثيل.
- أعرف المجاز وأبين أقسامه مقرونة بأمثلتها.
الأهداف
- أن أتعرف الحقيقة والمجاز وأقسامهما.
- أن أميز بين أقسام الحقيقة وبين أقسام المجاز.
- أن أتمثل مقاصد الحقيقة والمجاز في فهم النصوص الشرعية.
تمهيد
من المعلوم أن الوضع هو جعل اللفظ دليلا على المعنى، إلا أن اللفظ الموضوع لمعنى قد يستعمل في ما وضع له، وقد يستعمل في غير ما وضع له، من هنا قسم أهل اللغة الكلام من حيث الاستعمال إلى حقيقة ومجاز.
فما هي الحقيقة وما هي أنواعها؟ وما المجاز وما هي أنواعه؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "فَالْحَقِيقَةُ: مَا بَقِيَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى مَوْضُوعِهِ. وَقِيلَ: مَا اسْتُعْمِلَ فِيمَا اصْطُلِحَ عَلَيْهِ مِنَ الْمُخَاطَبَةِ. وَالْمَجَازُ: مَا تُجُوِّزَ عَنْ مَوْضُوعِهِ. وَالْحَقِيقَةُ: إِمَّا لُغَوِيَّةٌ، وَإِمَّا شَرْعِيَّةٌ، وَإمَّا عُرْفِيَّةٌ. وَالْمَجَازُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ بزِيَادَةٍ، أَوْ نُقْصَانٍ، أَوْ نَقْلٍ، أَوْ اسْتِعَارَةٍ. فَالْمَجَازُ بِالزِّيَادَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
الشورى: 9
، وَالْمَجَازُ بِالنُّقْصَانِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
يوسف:82
وَالْمَجَازُ بِالنَّقْلِ كَالغَائِطِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِنْسَانِ. وَالْمَجَازُ بِالاستِعَارَة كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
الكهف: 76
الفهم
الشرح:
الِاسْتِعْمَـــــالِ: الدلالة باللفظ.
مَوْضُوعِــــــهِ: ما وضع له اللفظ في الأصل.
اصْطُلِحَ عَلَيْهِ: اتفق عليه أهل اصطلاح معين.
استخلاص مضامين المتن:
- أعرف الحقيقة وأبين أنواعَها.
- أعرف المَجَازِ وأستعرض أنواعَه.
التحليل
يشتمل الدرس على ما يأتي:
أولا: تعريف الحقيقة وبيان أنواعها:
تعريف الحقيقة:
الحقيقة في اللغة: ما يجب حفظه وحمايته، وتأتي بمعنى حق الشيء أي ثبت. وفي الاصطلاح عرفها المصنف بتعرفين:
الأول: هو قوله: "فَالْحَقِيقَةُ: مَا بَقِيَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى مَوْضُوعِهِ" أي على معناه الذي وضع له في اللغة.
والثاني: هو قوله: "وَقِيلَ: مَا اسْتُعْمِلَ فِيمَا اصْطُلِحَ عَلَيهِ مِنْ المُخَاطَبَةِ" التي وقع التخاطب بها وإن لم يبق على موضوعه الذي وضع له في اللغة، كالصلاة المستعملة في لسان أهل الشرع في العبادة المخصوصة، فإنه لم يبقَ على موضوعه اللُّغوي، وهو الدعاء بخير، وكالدَّابَّة الموضوعة في العرف لذوات الأربع، فإنه لم يبق على موضوعه اللغوي وهو كل ما يدب على الأرض.
أنواع الحقيقة:
تنقسم الحقيقة الى لغوية وشرعية وعرفية، قال المصنف: "وَالْحَقِيقَةُ: إِمَّا لُغَوِيَّةٌ، وَإِمَّا شَرْعِيَّةٌ، وَإمَّا عُرْفِيَّةٌ".
فالحقيقة اللغوية: هي التي وضعها واضع اللغة، كالأسد للحيوان المفترس. والحقيقة الشرعية: هي التي وضعها الشارع، كالصلاة للعبادة المخصوصة. والحقيقة العرفية: هي التي وضعها أهل العرف العام، كالدابة لذوات الأربع، وهي في اللغة كل ما يدب على وجه الأرض، أو أهل العرف الخاص، كالفاعل للاسم المعروف عند النحاة.
وهذا التقسيم إنما يتمشى على القول الثاني في تعريف الحقيقة دون الأول؛ لأن الأول مبنى على نفي ما عدا الحقيقة اللغوية، فالألفاظ الشرعية كالصلاة والحج ونحوهما، والعرفية كالدابة مجازٌ بمقتضى التعريف الأول.
ثانيا: تعريف المجاز وأقسامه:
تعريف المجاز:
المجاز في اللغة: مكان الجواز، وفي الاصطلاح: عرفه المصنف بقوله: "وَالْمَجَازُ: مَا تُجُوِّزَ عَنْ مَوْضُوعِهِ". أي ما تُعُدِّيَ بِهِ عن موضوعه، بحيث يوضع في اللغة لمعنى، فيستعمل في غيره مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الذي وضع له أولا.
وهذا التعريف إنما يقابل القول الأول في تعريف الحقيقة، وأما على القول الثاني: فإن المجاز" هُوَ مَا استُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا اصطُلِحَ عَلَيْهِ مِنَ المُخَاطبَة" وذلك كاستعمال اللغوي للصلاة في العبادة المخصوصة، فهو مجاز لغوي، أو استعمال الشرعي الصلاة في الدعاء فهو مجاز شرعي، أو استعمال أهل العرف الدابة في كل ما يدب على الأرض، فهو مجاز عرفي.
أنواع المجاز:
ذكر المصنف أربعة أنواع للمجاز وهي:
النوع الأول: المجاز بالزيادة؛ كقوله تعالى:
الشورى: 9
. فالكاف زائدة لئلا يلزم إثباتُ مِثْلٍ له تعالى؛ لأنها إن لم تكن زائدة فهي بمعنى مِثْل، فيقتضى ظاهر اللفظ نفيَ مثلِ مثلِ الباري، وفي ذلك إثبات مثلٍ له، وهو محال عقلاً، وضدُّه هو المقصود من الآية، فإن المقصود منها نفي المثل، فالكاف مزيدة للتأكيد، وقال جماعة: ليست الكاف زائدة، والمراد بالمثل الذات كما في قولهم: مِثلُك لا يَفعل كذا، لقصد المبالغة في نفي ذلك الفعل عنه؛ لأنه إذا انتفى عمن يماثله ويناسبه كان نفيه عنه أولى.
وقال الشيخ سعد الدين: القول بأن الكاف زائدة أخذ بالظاهر، والأحسن أن لا تكون زائدة، وتكون نفياً للمثل بطريق الكناية التي هي أبلغ؛ لأنَّ الله سبحانه موجودٌ قطعاً، فنفي مثلِ المثلِ مستلزم لنفي المثل، ضرورةَ أنه لو وجد له مثل لكان هو تعالى مثلاً لمثله، فلا يصح نفي مثل المثل، فهو من باب نفي الشيء بنفي لازمه، كما يقال: ليس لأخي زيد أخ، فـــ" أَخِي زَيْدٍ" ملزوم، و"أخٍ" لازمه؛ لأنه لا بدَّ لـ" أخي" من "أخ" هو زيد، فنفيتَ اللازم، وهو: أخو أخي زيد، والمراد نفي ملزومه وهو: أخو زيد، إذ لو كان له أخ لكان لذلك الأخ أخ وهو زيد.
النوع الثاني: المجاز بالنقصان؛ كقوله تعالى:
يوسف: 82
، أي: أهل القرية، ويسمى هذا النوع مجازَ الإضمار، وشرطُه أن يكون في المظهَر دليلٌ على المحذوف، كالقرينة العقلية هنا الدالة على أن الأبنية لا تُسأل لكونها جماداً.
فإن قيل: حدُّ المجاز لا يصدق على المجاز بالزيادة والنقصان؛ لأنه لم يستعمل اللفظ في غير موضوعه. فالجواب: أنَّه منه، حيث استعمل نفي مثل المثل في نفي المثل وسؤال القرية في سؤال أهلها، فقد تُجوِّز في اللفظ وتعدى به عن معناه إلى معنى آخر.
وقال صاحبُ التلخيص: إنه مجاز من حيث إن الكلمة نقلت عن إعرابها الأصلي إلى نوع آخر من الإعراب، فالحكم الأصلي لـ "مثله" النصب؛ لأنه خبر ليس، وقد تغير بالجر بسبب زيادة الكاف، والحكم الأصلي لـ "القرية" الجر، وقد تغير إلى النصب بسبب حذف المضاف.
النوع الثالث: المجاز بالنقل: أي: بنقل اللفظ عن معناه إلى معنى آخر لمناسبةٍ بين المعنى المنقول عنه والمنقول إليه، وقد مثل له المصنف بقوله: "كَالغَائِطِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِنْسَانِ"، حيث نقل لفظ الغائط عن معناه الحقيقي وهو المكان المطمئن من الأرض، للدلالة على ما يخرج من الإنسان؛ لأن الذي يقضى الحاجة يقصد ذلك المكان طلباً للستر، فسموا الفضلة التي تخرج من الإنسان باسم المكان الذي يلازم ذلك، واشتهر ذلك حتى صار لا يتبادر في العرف من اللفظ إلا ذلك المعنى، وهو حقيقة عرفية مجاز بالنسبة إلى معناه اللغوي.
فقول من قال: إن تسميته مجازاً مبني على قول من أنكر الحقيقة العرفية ليس بظاهر؛ إذ لا منافاة بين كونه حقيقة عرفية ومجازاً لغوياً.
النوع الرابع: المجاز بالاستعارة، وذلك كقوله تعالى:
الكهف: 76
، أي: يسقط، فشبه ميله إلى السقوط بإرادة السقوط التي هي من صفة الحي دون الجماد، فإن الإرادة منه ممتنعة عادة. والمجاز المبني على التشبيه يسمى استعارة.
وعبارة المصنف توهم أن النقل قسم من المجاز ومقابل للأقسام وليس كذلك، فإن النقل يعمُّ جميع أقسام المجاز، فإنَّ معناه تحويل اللفظ عن معناه الموضوع له إلى معنى آخر.
فقوله:
منقول من الدلالة على نفي مثل المثل إلى نفي المثل.
وقوله:
منقول من الدلالة على سؤال القرية إلى سؤال أهل القرية.
ولفظ الغائط منقول من الدلالة على المكان المطمئن المعيّن إلى فضلة الإنسان.
وقوله:
منقول من الدلالة على الإرادة الحقيقية التي هي إرادة الحي إلى صورة تشبه صورة الإرادة الحقيقية.
فالمجازُ كلُّه نقلُ اللفظ من موضعه الأول إلى معنى آخر، لكنه: قد يكون مع بقاء اللفظ على صورته من غير تغيير، وهذا هو المجاز العارض في الألفاظ المفردة، كنقل لفظ الأسد من الحيوان المفترس إلى الرجل الشجاع، ونقل لفظ الغائط من المكان المطمئن إلى فضلة الإنسان. وقد يكون مع تغيير يعرض للفظ بزيادة أو نقصان، وهو المجاز الذي يعرض للألفاظ المركبة.
ويسمى المجاز الواقع في الألفاظ المفردة مجازاً لغوياً، والمجاز الواقع في التركيب مجازاً عقلياً، وهو إسناد الفعل إلى غير ما هو له في الظاهر.
التقويم
- أعرف الحقيقة وأذكر أقسامها مع التمثيل والتوضيح.
- أستعرض أنواع المجاز مع التمثيل.
- أقرر المجاز وأبين نوعه فيما يأتي:
قوله تعالى:
البقرة: 147
قوله تعالى:
الأعراف: 29
قوله تعالى:
البقرة: 183
الاستثمار
قال الله تعالى في كتابه العزيز:
البقرة: 15
البقرة: 256
الأعراف: 200
التوبة: 100
آل عمران: 163
النساء: 23
أتأمل الآيات، وأجيب عن الآتي:
- أحدد محل المجاز في كل آية.
- أوضح نوع المجاز وتقديره.
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- أعرف الأمر وأبين صيغته.
- أبين حكم الأمر من حيث دلالته على ما يأتي:
- الوجوب أو غيره.
- المرة أو التكرار.
- الفور أو التراخي.
الأهداف
- أن أعرف من يشمله خطاب الأمر والنهي ومن لا يشمله.
- أن أتبين ما يستلزمه كل من الأمر والنهي.
- أن أتمثل مقتضى الخطاب الشرعي بالأمر والنهي.
تمهيد
الأصل أن تعم أوامر الشرع ونواهيه جميع الناس عملا بقاعدة عموم الشريعة الإسلامية، لكن هناك من قامت الأدلة على عدم دخوله تحت الأوامر والنواهي الشرعية، وهناك من وقع الخلاف في شمول الأوامر والنواهي له، كما وقع الخلاف في الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم لا والعكس.
فمن هم المخاطبون، وغير المخاطبين، بالأوامر والنواهي؟ وما الذي تستلزمه كل من صيغتي الأمر والنهي؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْأمرِ وَالنَّهْي، وَمَا لَا يَدْخُل: يَدْخُلُ فِي خِطَابِ اللَّه تَعَالَى الْمُؤمِنُونَ. وَالسَّاهِي، وَالصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، غَيْرُ دَاخلِينَ في الْخِطَابِ. وَالكُفَّارُ مُخَاطبُونَ بِفرُوعِ الشَّرَائِعِ، وَبِمَا لا تَصحُّ إِلَّا بِهِ، وَهُوَ الإِسْلامُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
المدثر: 41 –42
وَالأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءٍ أَمْرٌ بِضِدِّهِ".
الفهم
الشرح:
الْخِطَاب: الكلام الموجّه إلى المُخَاطَب.
السَّاهِـي: من السهو وهو الذهول عن الشيء.
استخلاص مضامين المتن:
- أحدد من يتوجه إليه خطاب الأمر والنهي.
- أبين ما تستلزمه صيغة الأمر والنهي.
التحليل
يشتمل الدرس على ما يأتي:
أولا: الذي يدخل في الأمر والنهي والذي لا يدخل:
ترجم المصنف لهذه المسألة بقوله: "الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْأمرِ وَالنَّهْي، وَمَا لَا يَدْخُل" وهذه ترجمة معناها: بيانُ من يتناوله خطاب التكليف بالأمر والنهي ومن لا يتناوله. وعبر بــ"مَا" في قوله: "وَمَا لَا يَدْخُل" تنبيهاً على أن من لم يدخل في خطاب التكليف ليس في حكم ذوى العقول.
من يتناوله خطاب الأمر والنهي:
الذي يدخل في خطاب الأوامر والنواهي الشرعية هم المومنون المكلفون، وهم العاقلون البالغون غير الساهين، ويدخل الذكور والإناث لشمول صيغة الأمر والنهي لهما. قال المصنف: "يَدْخُلُ فِي خِطَابِ اللَّه تَعَالَى الْمُؤمِنُونَ".
ويدخل أيضا الكفار في خطاب الأمر والنهي بفروع الشريعة على الصحيح وبالإسلام اتفاقا لعموم الشريعة وشمولها للعالمين. قال المصنف رحمه الله: وَالكُفَّارُ مُخَاطبُونَ بِفرُوعِ الشَّرَائِعِ، وَبِمَا لا تَصحُّ إِلَّا بِهِ، وَهُوَ الإِسْلامُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
المدثر: 41 – 42
وفائدة خطاب غير المسلمين بفروع الشرعية هي إقامة الحجة عليهم، لكنها لا تصح منهم لتوقفها على النية المتوقفة على الإسلام. وأما عدم المؤاخذة بها بعد الإسلام فغايته ترغيبهم في الإسلام.
وقيلَ: إنَّهم غير مكلفين بفروع الشريعة؛ لعدم صحتها منهم قبل الإسلام، وعَدَمِ مؤاخذتِهم بها بعده.
من لا يتناوله خطاب الأمر والنهي:
لا يتناول خطاب الأمر والنهي الآتية أوصافهم: الساهي، والصغير، والمجنون ، والمكره، والنائم، والمُلْجَأُ؛ لانتفاء التكليف عنهم؛ لأن من شرط الخطاب الفهم، وهم غير فاهمين للخطاب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ". [سنن أبي داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا] قال المصنف: "وَالسَّاهِي، وَالصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، غَيْرُ دَاخلِينَ في الْخِطَابِ".
ويؤمر الساهي بعد ذهاب السهو بجبر خلل السهو، كقضاء ما فاته من الصلاة، وضمان ما أتلفه من المال؛ لوجود سبب ذلك وهو الإتلاف، ودخول الوقت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَاَ فكَفَّارتُهَا أن يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهاَ". [صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها].
ثانيا: هل الأمر بالشيء نهي عن ضده والعكس؟
هل الأمر بالشيء نهي عن ضده؟
اختلف الأصوليون في الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم لا؟ واختار المصنف أنه نهي عن ضده؛ حيث قال: "وَالأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ" أي: أن الأمر النفسي بالشيء نهي عن ضده، بمعنى أن تعلق الأمر بالشيء هو عين تعلُّقه بالكفِّ عن ضدِّه، واحداً كان الضد، كضدِّ السكون الذي هو التحرك، أو أكثر كضد القيام الذي هو القعود والاتكاء والاستلقاء؛ فالطلب له تعلُّق واحد بأمرين هما: فعل الشيء، والكف عن ضده، فباعتبار الأول هو أمر، وباعتبار الثاني هو نهي. وقيل: إن الأمر بالشيء ليس عين النهي عن ضده ولكن يتضمنه. وقيل: ليس عينه ولا يتضمنه، وعزاه صاحب جمع الجوامع للمصنِّف.
وأما مفهوما الأمر والنهي فلا نزاع في تغايرهما، وكذا لا نزاع في أن الأمر اللفظي ليس عين النهي اللفظي، والأصح أنه لا يتضمنه.
وقيل: يتضمنه، فإذا قال اسكن فكأنه قال: لا تتحرك؛ لأنه لا يتحقق السكون إلا بالكف عن التحرك.
هل النهي عن الشيء أمر بضده؟
اختلف الأصوليون في النهي عن الشيء هل هو أمر بضده أم لا؟ واختار المصنف القول بأنه أمر بضده فقال: "وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءٍ أَمْرٌ بِضِدِّهِ" أي: أن النهي النفسي عن الشيء أمر بضده، فإن كان واحداً فواضح، وإن كان كثيرا كان أمرا بواحد من غير تعيين. وقيل: إن النهي النفسي ليس أمراً بالضد قطعاً.
وأما النهي اللفظي فليس عين الأمر اللفظي قطعاً، ولا يتضمنه على الأصح.
وقيل: يتضمنه، فإذا قال: لا تتحرك فكأنه قال: اسكن؛ لأنه لا يتحقق ترك التحرك إلا بالسكون.
التقويم
- أحدد من يشملهم خطاب الأمر والنهي ومن لا يشملهم.
- أشرح قول المؤلف:
- "وَالأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ"، مع التمثيل له بمثال.
- "وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءٍ أَمْرٌ بِضِدِّهِ"، مع التمثيل له بمثال.
- أبين هل الأمر بالصلاة والزكاة في قوله تعالى:
البقرة: 42
يشمل الصبي الصغير؟ مع التعليل.
الاستثمار
استدل بعض المفسرين على أن الأمر بالشيء نهي عن ضده بالآيات الآتية:
هود: 61
بعد قوله:
هود: 60
هود: 87
بعد قوله:
هود: 83
أتأمل الآيات وأجيب عن الآتي:
ما وجه دلالة الآيتين الأوليين على أن الأمر بالشيء نهي عن ضده؟
كيف يفهم من الآيتين الأخيرتين دلالة الأمر بالشيء على النهي عن ضده؟
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- أعرف النهي.
- ما حكم النهي من حيث: التحريم أو غيره، الفساد أو عدمه، الفور والتكرار؟
الأهداف
- أن أتعرف مفهوم النهي عند الأصوليين.
- أن أدرك صيغة النهي ودلالته.
- أن أتجنب النواهي الشرعية في عبادتي ومعاملاتي.
تمهيد
التكاليف الشرعية عبارة عن جملة من الأوامر التي يجب على المكلف إتيانها، والنواهي التي عليه اجتنابها لذا كان هناك تلازم بين الحديث عن الأوامر والنواهي.
فما هو النهي؟ وما هي دِلالاته؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَالنَّهْيُ: اسْتِدْعَاءُ التَّرْكِ بِالْقَوْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ عَلَى سبِيلِ الْوُجُوبِ. وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَتَرِدُ صِيغَةُ الأَمْرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الإِبَاحَةُ، أَوِ التَهْدِيدُ، أَوِ التَّسْوِيَةُ، أَوِ التَّكْوِينُ".
الفهم
الشرح:
اسْتِدْعَاءُ: طلب. دُونَــــهُ: أقل منه رتبة.
استخلاص مضامين المتن:
- أحدد مفهوم النهي وصيغته.
- أبين أهم دلالات النهي.
التحليل
يشتمل الدرس على ما يأتي:
أولا: تعريف النهي وصيغته:
تعريف النهي:
عرف المصنف النهي بقوله: "وَالنَّهْيُ اسْتِدْعَاءُ التَّرْكِ بِالْقَوْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ عَلَى سبِيلِ الْوُجُوبِ". فيخرج بقوله: "اسْتِدْعَاءُ التَرْكِ" الأمرُ؛ لأنه استدعاء للفعل.
وبقوله: "بِالْقَوْلِ" الطلبُ بالإشارة، أو بالكتابة. وبقوله: "مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ" الطلبُ من المُسَاوي والأعلى. وبقوله: "عَلَى سبِيلِ الْوُجُوبِ" النهيُ على سبيل الكراهة، كقوله ﷺ: "إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ المَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ" [صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى]؛ لأن النهي في الحديث محمول على كراهة ترك هذه النافلة، إذا توفرت شروطُها وانْتَفَتْ موانعها.
صيغة النهي:
للنهي صيغٌ كثيرة أشهرها الصيغة الدالة عليه بنفسها، وهي: الفعل المضارع المقرون بلا الناهية، كقوله تعالى:
الإسراء 23
ثانيا: دلالة النهي:
دلالة النهي على التحريم عند الاطلاق:
إذا ورد النهي مطلقا عن القرائن يحمل على التحريم، كقوله تعالى:
الإسراء: 34
وقوله تعالى:
الإسراء: 33
لكن النهي قد يأتي لمعان أخرى عند قيام القرينة مثل:
- الكراهة: كالنهي عن صيام يوم الشك من أجل الاحتياط لرمضان.
- الدُّعاءُ: كقوله تعالى:
آل عمران: 8
المائدة: 103
آل عمران: 169
التحريم: 7
دلالة النهي على فساد المنهي عنه عند الإطلاق:
تدل صيغة النهي المطلق على فساد المنهيِّ عنه شَرْعاً، وفي ذلك يقول المصنف: "وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ" أي: ويدل النهي المطلق شرعاً على فساد المنهي عنه شرعاً على الأصح عند المالكية والشافعية، وسواء كان المنهي عنه عبادة كصوم يوم العيد أو عقداً كالبيوع المنهي عنها.
فإذا اقترن بالنهي ما يجعل المنهي عنه غير فاسد كما في بعض صور البيوع المنهي عنها، فإنه لا يدل على فساد المنهي مثل بيع النجش والمصراة فهو منهي عنه ولكن إذا حصل يكون البيع صحيحا في المذهب.
دلالة النهي على الفور والتكرار:
النهي المطلق مقتضٍ للفور والتكرار، فيجب الانتهاء في الحال، واستمرار الكف في جميع الأزمان؛ لأن الترك المطلق إنما يصدق بذلك، لقوله تعالى:
الحشر: 7
وقد ختم المصنف هذا الباب ببعض دلالات صيغة الأمر فقال: "وَتَرِدُ صِيغَةُ الأَمْرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الإِبَاحَةُ أَوْ التَهْدِيدُ أَوْ التَّسْوِيَةُ أَوْ التَّكْوِينُ". وقد تقدم شرحها والتمثيل لها في مبحث الامر.
التقويم
- أعرف النهي وأمثل له.
- أبين قول الأصوليين في دلالة النهي على ما يأتي مع التمثيل والتعليل:
- التحريم أو غيره.
- فساد المنهي عنه.
- الفور والتكرار.
الاستثمار
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلَا يَبِعْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، إِلَّا بِإِذْنِهِ» [سنن أبي داود، كتاب النكاح، باب في كراهية أن يخطب الرجل على خطبة أخيه]
أتأمل الحديث وأجيب عن الآتي:
- ما حكم الخطبة على الخطبة والبيع على البيع؟
- ما الحكمة من النهي الوارد في الحديث؟
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- أُعَرِّفُ العَامّ.
- أذكر أهمَّ الصيغ الموضوعةِ لإفادة العموم.
الأهداف
- أن أتعرف مفهوم العام.
- أن أتبين ألفاظ العموم ومجاله.
- أن أستشعر عموم الشريعة وشمولية خطابها.
تمهيد
عالمية الشريعة وشموليتها جعلت أكثر نصوصها عامة شاملة لكل من تصدق عليه من الأفراد، ولذلك كان من أهم مباحث دلالة الألفاظ عند الأصوليين مبحث العموم، لما له من آثار على مستوى فهم النصوص الشرعية وتعميم أحكامها.
فما هو العامُّ؟ وما هي ألفاظ العموم؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَأَمَّا الْعَامُّ؛ فَهُوَ: مَا عَمَّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِداً، مِنْ قَوْلِهِ عَمَمْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا بِالْعَطَاءِ وَعَمَمْتُ جَمِيعَ النَّاسِ بِالْعَطَاءِ. وَأَلْفَاظُهُ أَرْبَعَةٌ: الِاسْمُ الْمُعَرَّفُ بِالْألَفِ وَاللَّامِ، وَاسْمُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَالْأَسْمَاءُ الْمُبْهَمَةُ كَمَنْ فِيمَنْ يَعْقِلُ، وَمَا فِيمَا لَا يَعْقِلُ، وَأَيٍّ فِي الْجَمِيعِ، وَأَيْنَ فِي الْمَكَانِ، وَمَتَى فِي الزَّمَانِ، وَمَا فِي الِاسْتِفْهَامِ وَالْجَزَاءِ وَغَيْرِهِ، وَلَا فِي النَّكِرَاتِ. وَالْعُمُومُ مِنْ صِفَاتِ النُّطْقِ، وَلَا يَجُوزُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْفِعْلِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ".
الفهم
الشرح:
فَصَاعِداً: فأكثر. عَمَمْــتُ: عمَّ فلانا بالشيء شمله به. النُّطـــقُ: إخراج التلفظ.
استخلاص مضامين المتن:
- أحدد مفهوم العام.
- أبين ألفاظ العموم.
- أوضح ما يجري فيه العموم.
التحليل
يشتمل الدرس على ما يلي:
أولا: تعريف العام:
عرف المصنف العام بقوله: "مَا عَمَّ شيْئَيْنِ فَصَاعِداً " زاد الحطاب أي: من غير حصر، ثم بين المصنف مأخذه بقوله: "مِنْ قَوْلِهِ عَمَمْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا بِالْعَطَاءِ وَعَمَمْتُ جَمِيعَ النَّاسِ بِالْعَطَاءِ" أي: شملتهم، ففي العام شمول لكل الأفراد التي يصدق عليها اللفظ.
فقوله: "مَا عَمَّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِداً" جنس يخرج به ما يدل على الواحد كرجل، لكنه يشمل المثنى كرجلين، وأسماء العدد كثلاثة وأربعة، ونحو ذلك.
وقول الحطاب: "من غير حصر" فصل مخرج للمثنى ولأسماء العدد، فإنها تتناول شيئين فصاعداً لكنها تنتهي إلى غاية محصورة، ولذلك لا يصدق عليها لفظ العام اصطلاحا.
ثانيا: ألفاظ العموم:
ذكر المصنف من صيغ العموم أربعة أنواع فقال: "وَأَلْفَاظُهُ أَرْبَعَةٌ" صيغ العموم الموضوعة له أربعة أنواع وهي:
النوع الأول: "الِاسْمُ الْمُعَرَّفُ بِالْألَفِ وَاللَّامِ" التي ليست للعهد ولا للحقيقة، فإنه يفيد العموم بدليل جواز الاستثناء منه كقوله تعالى:
العصر1
؛ فلفظ الإنسان عام بدليل جواز الاستثناء منه.
النوع الثاني: "اسْمُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ" أي: الاسم الدال على جماعة المعرف باللام التي ليست للعهد كقوله تعالى:
البقرة: 226
؛ فالمطلقات عامٌّ في كل مطلقة.
النوع الثالث: "الْأَسْمَاءُ الْمُبْهَمَةُ" ومنها: أسماء الشرط والاستفهام والموصولات، مثل:
- "مَنْ" الموضوعة للعاقل، نَحْوُ: مَنْ اجتهد نجح.
- "مَا" الموضوعة لغير العاقل، نحو:
الصافات: 96
- "أَيُّ" الموضوعة للعاقل وغير العاقل، نحوُ:
مريم: 73
- "أين" الدالة على ظرف المكان، نحوُ:
النساء: 77
- "متى" الدالة على ظرف الزمان، نحوُ:
يونس: 48
طه: 16
والشَرْطِيَّةُ، نحوُ:
البقرة: 196
النوع الرابع: "لَا فِي النَّكِرَاتِ" أي: الداخلة عليها، ولها حالتان:
- تكُونُ نصاًّ في العموم إذا بُنِيَت النكرة معها على الفتح عاملةً لا عمل إنَّ، نحوُ:
البقرة: 196
فهو شامل لكل أنواع الرفث والفسوق؛ ونحو:لاَ رجلَ في الدّار؛ فإنها نفت وجود جنس الرجال في الدار على وجه القطع.
- تكون ظاهرة في العموم إذا كانت منونة مرفوعة عاملةً لا عمل ليس، نحوُ: لا رَجُلٌ في الدار، فإنها ليست نصا في العموم، بل ظاهرة فيه لاِحتمال نفي الواحد فقط.
ثالثا: ما يجري فيه العموم:
اختار المصنف تبعا لجمهور الأصوليين أن العموم من صفات النطق أي: الألفاظ ولا يجري في الأفعال وما جرى مَجْراهَا، قال المصنف: "وَالْعُمُومُ مِنْ صِفَاتِ النُّطْقِ، وَلا يَجُوزُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْفِعْلِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ". فيجري العموم في الألفاظ والعبارات، كما في الأمثلة السابقة، وكقوله تعالى:
الرحمان: 24 – 25
ولا يقع في الأفعال، كجمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين في السفر، فلا يدل على عموم الجمع في السفر الطويل والقصير، بل يختص بالسفر الطويل فقطْ؛ لأنه أوقعه فيه ولم يوقعه في السفر القصير.
ولا يقع العموم فيما يجري مجرى الفعل، ويُقصد به القضايا المعينةُ، كقضائه صلى الله عليه وسلم بالشُّفْعةِ للجار[سنن النسائي، كتاب البيوع، باب ذكر الشفع وأحكامها] ؛ فهذا لا يعم كل جار لاِحتمال الخصوصيّة بذلك الجار.
التقويم
- أعَرِّفُ العام وأبين محترزات التعريف.
- أذكُرُ ألفاظ العموم وأمثل لكل منها بمثال.
- ما معنى قولهم: "إن العموم من عوارض الألفاظ "؟
الاستثمار
قال تعالى:
النساء: 28
وقال سبحانه:
البقرة:272
وقال عز وجل:
النحل: 53
وقال جل وعلا:
الآعراف: 41
أتأملُ الآيات وأستخرج ما فيها من صيغ العموم وأبين نوعها.
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- أعرِّف التخصيص، وأبين المُخَصِّصَاتِ المتصلة.
- أبين شروط صحة التخصيص بالِاستثناء.
الأهداف
- أن أتعرف مفهوم الخاص وأقسام المخصصات.
- أن أدرك أهم أحكام المخصصات المتصلة.
- أن أستحضر قاعدة التخصيص في فهم النصوص الشرعية العامة.
تمهيد
لقد اشتهر على ألسنة الأصوليين أنه : ما من عام إلا وقد خص ماعدا ألفاظا قليلة كقوله تعالى:
البقرة: 281
من هنا ندرك أهمية التخصيص في الفهم السليم للنصوص العامة التي قد لا تكون شاملة لكل الأفراد التي يتناولها اللفظ وإن كان ظاهرها العموم.
فما هو التخصيص؟ وما هي أقسام المخصصات المتصلة؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَالْخَاصُّ يُقَابِلُ الْعَامَّ، وَالتَّخْصِيصُ: تَمْيِيزُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى مُتَّصِلٍ وَمُنْفَصِلٍ، فَالْمُتَّصِلُ: الِاسْتثْنَاءُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ، وَالتَقْيِيدُ بِالصِّفَةِ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ: إِخْرَاجُ مَا لَوْلاهُ لَدَخَلَ فِي الكَلامِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلاً بِالْكَلَامِ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَيَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الجِنْسِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَالشَّرْطُ يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَالْمُقَيَّدُ بِالصِّفَةِ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمُطْلَقُ، (...)، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ".
الفهم
الشرح:
الْجُمْلَــة: جماعة الشيء. الجِنْـسِ: الضرب من كلّ شيء، وهو أعمّ من النوع. الشَّرْط: تعليق وجود شيء بوجود شيء.
استخلاص مضامين المتن:
- أحددُ مفهوم الخاص والتخصيص.
- أبين المخصصات المتصلة وأهم أحكامها.
التحليل
يشتمل الدرس على ما يأتي:
أولا: تعريف الخاص والتخصيص:
عرف المصنف الخاص بمقابلته بالعام حيث قال: "وَالْخَاصُّ يُقَابِلُ الْعَامَّ" فيقال في تعريفه: هو ما لا يتناول شيئين فصاعداً من غير حصر، بل إنما يتناول شيئاً محصوراً: إما واحداً أو اثنين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك، نحو: رجلٍ ورجلين وثلاثةِ رجالٍ.
وأما التّخصيص: فقد عرفه المصنف بقوله: "وَالتَّخْصِيصُ: تَمْيِيزُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ" أي: إخراج بعض الأفراد التي يتناولها اللفظ العام، وقصره على البعض الباقي من المجموع. وبعبارة أخرى: جعل الحكم الثابت للعام مقصورا على بعض أفراده بإخراج البعض الآخر عنه. وذلك كإخراج المال الذي لم يبلغ النصاب من الحبوب ونحوه من قوله تعالى:
التوبة: 104
بقوله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ". [الموطأ للامام مالك، كتاب الزكاة، باب ما تجب فيه الزكاة].
والمخصص نوعان متصل ومنفصل: قال المصنف: "وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى مُتَّصِلٍ وَمُنْفَصِلٍ" أي: أن المُخصِّص المفهوم من التخصيص ينقسم إلى:
- متصل: وهو ما لا يستقل بنفسه، بل يكون مذكوراً مع العام.
- ومنفصل: وهو ما يستقل بنفسه ولا يكون مذكوراً مع العام، بل يكون مفرداً وسيأتي بيانه.
ثانيا: أقسام المخصصات المتصلة:
المخصص المتصل أنواع كثيرة، ذكر منها المؤلف ثلاثة، حيث قال: "فَالْمُتَّصِلُ: الِاسْتثْنَاءُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ، وَالْمُقَيَّدُ بِالصِّفَةِ" وبيانها في الآتي:
التخصيص بالاستثناء:
عرف المصنف الاستثناء بقوله: "وَالِاسْتِثْنَاءُ: إِخْرَاجُ مَا لَوْلاهُ لَدَخَلَ فِي الكَلامِ". هذا تعريف للاستثناء المتصل وهو الاستثناء الحقيقي، وهو إخراج ما لولاه أي: لولا الاستثناء لدخل في الكلام، السابق نحو: حضر القوم إلا عليا. وقوله تعالى:
العصر1 – 2
فما بعد إلا مخصِّص لما قبلها، وهو من جنس المستثنى منه لولا ذلك الاستثناء لكان داخلا في حكم العام؛ فالاستثناء المتصل هو: ما يكون فيه المستثنى بعض المسثنى منه.
وتقييد الاستثناء بالمتصل مخرج للاستثناء المنفصل، وهو: ما لا يكون فيه المستثنى بعض المستثنى منه، نحو: حضر التلاميذ إلا كتاباً، فليس من المخصصات، وقد ذكره المصنف على سبيل الاستطراد، ولا بد فيه أن يكون بين المستثنى والمستثنى منه ملابسة كما مثلنا، فلا يقال: قام التلاميذ إلا أسدا.
- شروط صحة التخصيص بالاِستثناء:
أشار المصنف الى شروط صحة التخصيص بالاِستثناء بقوله: "وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلاً بِالْكَلَامِ" أي: يشترط لصحة التخصيص بالاِستثناء شرطان:
أولهما: أن يبقى من المُستثنى منه بعد الإخراج بالاستثناء شيء ولو واحدا، فلو قال المتصدق: لله علي عشرةٌ إلاَّ تسعةً لزمه واحد، ولو قال: لله علي عشرةٌ إلا عشرةً لم يصح استثناؤه فكان لغوا ولزمته العشرة كاملة.
ثانيهما: أن يكون المستثنى متصلا بالمستثنى منه في النطق والتعبير، فإن فصل بينهما بسعال أو تنفس وشبههما مما لا يعتبره الناس في أعرافهم فاصلا، فإن هذا الفصل لا يضرُّ، فلو قال المتصدق: لله عليّ أن أتصدقَ بمالي، ثم قال بعد أن مضى وقت: إلا ثلثَه، لم يصح استثناؤه عند الجمهور، ولزمه التصدق بماله كله، بخلاف ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما من صحة الاِستثناء المنفصل بشهرٍ أو أكثر.
- حكم تقديم المستثنى على المستثنى منه، والاستثناء من الجنس وغيره:
أشار المصنف رحمه الله بقوله: "وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَيَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الجِنْسِ وَمِنْ غَيْرِهِ" إلى مسألتين:
المسألة الأولى: جواز تقديم المستثنى على المستثنى منه نحو: ما قام إلا علِيّاً أحدٌ.
المسألة الثانية: جواز الاستثناء من الجنس ومن غيره نحو: حضر الطلبة إلا خالدا، وهذا الذي يسمى في اصطلاح النحويين بالاستثناء المتصل ويجوز عند بعض الأصوليين الاستثناء من غير الجنس مثل قولهم: "له علي مائة درهم إلا ثوبا" وهو الذي يسمى بالاستثناء المنقطع، واحتج المجيزون بقوله تعالى:
الحجر: 31-30
ولم يكن من الملائكة بدليل قوله تعالى:
الكهف: 49
التخصيص بالشرط:
المراد بالشرط هنا: الشرط اللغوي، وهو تعليق أمر بأمر، نحو: أكرم التلاميذ إن اجتهدوا، أي: المجتهدين منهم، ونحوُ: أكْرِم الأصدقاء إن زاروك، فما بعد إنْ شرطٌ لما قبلها مخصص له. ومن أمثلته قوله تعالى:
النساء: 100
فجاء في الآية تعليق قصر الصلاة على حصول الشرط، وهو الضرب في الأرض بالسفر فيها، ولولا الشرط لجاز القصر مطلقاً حضراً وسفراً، لكنه خصص بحالة السفر. ويشترط للتخصيص بالشرط أن يتصل بالمشروط لفظاً كما في الاستثناء.
ويجوز تقديم الشرط على المشروط وعكسه، نحو: إن اجتهد التلاميذ فأكرمهم، وأكرم التلاميذ إن اجتهدوا. وهذا في اللفظ، أما في الواقع فيجب أن يتقدمَ الشرطُ المشروطَ أو يقارنَه.
التخصيص بالصفة:
المراد بالصفة هنا: الصفة المعنوية، لا النعت المعروف في علم النحو، فتشمل الحال والظرف والتمييز وغيرها. نحو: أكرم التلاميذ المجتهدين، ونحو: اسأل الفقهاء الصالحين عن أمور دينك ودنياك. فكلمة المجتهدين مخصص للتلاميذ، وكلمة الصالحين مخصص للفقهاء.
ومن هذا القبيل حمل المطلق على المقيد بالصفة المخصِّصَة له؛ مثال ذلك: آية الوضوء والتيمم، فإن الأيدي مقيدة في الوضوء بالغاية في قوله تعالى:
المائدة: 7
ومطلقة في التيمم في قوله تعالى في الآية نفسها:
المائدة: 7
فقيدت في التيمم بالمرافق أيضا.
التقويم
- أعَرِّفُ الخاص والتخصيص عند الأصوليين.
- ما هي أنواع المخصصات المتصلة؟
- ما هي الشروط المعتبرة في صحة التخصيص بالاستثناء؟
- ما حكم تقديم المستثنى على المستثنى منه، والشرط على المشروط؟
الاستثمار
قال القرافي في شرح التنقيح: "وَالِاستِثنَاءُ مِنَ الإثْبَاتِ نَفْيٌ اتِّفَاقاً، وَمِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ خِلاَفاً لِأبِي حَنِيفَةَ – رحمه الله – وَمِنْ أَصْحَابِهِ المْـُتَأَخِّرِينَ مَنْ يَحْكِي التَّسْوِيَة بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ إِثْبَاتِ نَقِيضِ المْـَحْكُومِ بِهِ بَعْدَ إِلاَّ". [ شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول للقرافي: ص:247 ]
أراجع شرح تنقيح الفصول في المسألة موضوعِ النص، وأجيب عن الآتي:
- ما حكم المستثنى من النفي ومن الإثبات؟
- ما هي أدلة الجمهور والحنفية على موقفهم وما الراجح من القولين؟
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- أعرف المخصص المنفصل.
- أوضح موقف الأصوليين من تخصيص القرآن بالسنة والسنة بالقرآن.
- ما حكم تخصيص النصوص بالقياس؟
الأهداف
- أن أتعرف أهم صور المخصص المنفصل.
- أن أدرك العلاقة بين القرآن والسنة من حيث العموم والخصوص.
- أن أتمثل الغاية من تقديم الخاص على العام.
تمهيد
تعرفنا في الدرس السابق عن المخصص المتصل الذي لا يذكر إلا مقارنا للعام، وفي هذا الدرس نتعرف على المخصص المنفصل الذي من طبيعته أن يستقل عن العام.
فما هي صور التخصيص المنفصل؟ وما حكم تخصيص النص بالقياس؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالكَتَابِ، وَتَخْصِيصُ الكِتَابِ بِالسُّنَّةِ، وَتَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالكِتَابِ، وَتَخْصِيصُ السُّنِّةِ بالسُّنَّة، وَتَخْصِيصُ النُّطْقِ بِالْقِيَاسِ. وَنَعْنِي بِالنُّطْقِ: قَوْلَ اَللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلَ اَلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم".
الفهم
الشرح:
تَخْصِيصُ: إفراد، ومنه الخاصة. النُّــــطْــق: المنطوق أي: الملفوظ، أو المتكلَّم به.
استخلاص مضامين المتن:
- أبين صور تخصيص القرآن والسنة بعضهما ببعض.
- أوضح تخصيص النصوص بالقياس.
التحليل
يشتمل الدرس على ما يأتي:
أولا: تخصيص النص الشرعي بالنص الشرعي:
المخصص المنفصل: ما يستقل بنفسه، ولا يكون مذكورا مع العام، بحيث يكون التخصيص بدليل آخر منفصل عن العام، سواء كان الدليل قطعي الثبوت كالكتاب والسنة المتواترة، أو ظنيا كخبر الآحاد، فيخصص عموم الكتاب بالكتاب أو بالسنة، ويخصص عموم السنة بالكتاب أو بالسنة. يقول المصنف: "وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالكَتَابِ، وَتَخْصِيصُ الكِتَابِ بِالسُّنَّةِ، وَتَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالكِتَابِ، وَتَخْصِيصُ السُّنِّةِ بالسُّنَّة". وبيان ذلك في الآتي:
تخصيص عموم الكتاب بالكتاب:
يجوز تخصيص عموم الكتاب بالكتاب على أصح الأقوال، ومنه قوله تعالى:
البقرة: 226
؛ فإنه عامٌّ يشمل الحوامل وغيرهن، فخُصِّصَ عمومه بقوله تعالى:
الطلاق: 4
تخصيص عموم الكتاب بالسنة:
يجوز تخصيص عموم الكتاب بالسنة سواء كانت متواترة أو خبر آحَادٍ وهو ما ذَهَبَ إليه الجمهور، ومنه قوله تعالى:
النساء:11
، فإنه قد خُص بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ" [صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا نورث ما تركنا فهو صدقة"].
تخصيص عموم السنة بالكتاب:
يجوز أيضا تخصيص عموم السنة بالكتاب، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ". [صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب لا تقبل صلاة بغير طهور]، فإن عمومه خُصص بقوله تعالى:
النساء: 43
تخصيص عموم السنة بالسنة:
حكمه كذلك الجواز، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ العُشُرُ..." [الموطأ، كتاب الزكاة، باب زكاة ما يخرص من ثمار النخل]، فإن عمومه خصص بقوله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أوْسَقٍ صَدَقَةٌ". [الموطأ، كتاب الزكاة، باب ما تجب فيه الزكاة].
ثانيا: تخصيص النص الشرعي بالقياس:
يجوز تخصيص عموم الكتاب والسنة بالقياس؛ لأن القياس والعموم دليلان يُحمل الأَعمُّ منهما على الأخصِّ، ولما في جوازه من إعمال الدليلين معا، وهو أولى من إلغاء أحدهما، ولأن القياس أيضا يستند إلى نص من كتاب أو سنة، فصحَّ تخصيصهما به. قال المصنف: "وَتَخْصِيصُ النُّطْقِ بِالْقِيَاسِ. وَنَعْنِي بِالنُّطْقِ: قَوْلَ اَللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلَ اَلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم".
مثال تخصيص عموم السنة بالقياس حديث: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ". [صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر]، فقد خصص المالكية العموم المستفاد من عبارة "صَوْمَهُ" بالقياس على من نسي فرضا من فرائض صلاته، فيُؤمر بقضائه والإتيان به قياسا لفرض على فرض، وحملوا ظاهر الحديث الوارد بإتمامِ الصوم وعدمِ الأمر بقضائه: على صوم النافلة.
التقويم
- ما هو المخصص المنفصل؟
- أستعرض صور المخصصات المنفصلة مع التمثيل.
- بم استدل القائلون بتخصيص القياس لعموم النصوص الشرعية؟
الاستثمار
أولا: عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ، وَعُقُوبَتَهُ". قال ابن المبارك: "يحل عرضه يغلظ له، وعقوبته يحبس له" [سنن أبي داود، كتاب الأقضية، باب في الحبس في الدين وغيره].
وقال تعالى:
الإسراء: 23
ثانيا: عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أَنَّ مَيْمُونَةَ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ دَاجِنَةً كَانَتْ لِبَعْضِ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَاتَتْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ؟» [صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ].
وعن عبد الله بن عُكَيْمٍ قال: "أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلاَ عَصَبٍ". [سنن الترمذي، أبواب اللباس، باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت].
ثالثا: قال تعالى:
البقرة: 226
وقال سبحانه:
الأحزاب: 49
أتأمل النصوص وأجييب عن الآتي:
- أوضح علاقة العموم والخصوص بين كل نصين في المجموعات الثلاث.
- أبين نوع التخصيص وحكمه في المجموعات الثلاث.
الإعداد القبلي
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- أوضح المعنى اللغوي لما يلي: الحيز– الإِشكال– التجلي.
- أعرف المجمل والمبين، مع المقارنة بينهما.
الأهداف:
- أن أتعرف المجمل والمبين.
- أن أدرك العلاقة بين المجمل والمبين.
- أن أتمثل مقاصد الإجمال والبيان.
تمهيد:
تتفاوت دلالات النص الشرعي في الوضوح والخفاء، فقد تكون دلالته قطعية لا يحتمل إلا معنىً واحدا، وقد تكون دلالته ظنية راجحة في إحدي المعاني، وقد يكون محتملا لمعنيين أو أكثر على السواء، أو يكون مجملا غير متضح الدلالة.
فبم يسمى هذا النوع من النصوص؟ وكيف يمكن ايضاح معناه؟
المتن:
قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَالمُجْمَلُ: مَا افْتَقَرَ إِلَى الْبَيَانِ. وَالْبَيَانُ: إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الإِشْكَالِ إِلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي".
الفهم:
الشرح:
حَـــيِّــــز: محل. الإِشْكَال: الالتباس. التَّجَلِّي: الانكشاف والظهور.
استخلاص مضامين المتن:
- أحدد معنى المجمل، وكيف يرفع الإجمال.
- أستخرج معنى البيان عند الأصوليين.
التحليل:
يشتمل الدرس على ما يلي:
أولا: تعريف المجمل:
المجمل في اللغة: مِنْ أَجملت الشيء إذا جمعتَه، وضدُّه المفصل. واصطلاحا: عرفه المصنف بقوله: "مَا افْتَقَرَ إِلَى الْبَيَانِ" أي أن المجمل هو اللفظ الذي يتوقف فهم المقصود منه على أمر خارج عن دلالته، ويكون ذلك بأمور:
- القرينة الحالية الدالة على تفصيل ذلك الإجمال وبيانه، مثل الضحك الدال على الفرح، والبكاء الدال على الحزن.
- اللفظ الذي يبين المراد من معنى اللفظ المشترك كقوله تعالى:
البقرة: 226
. فإن القرء لفظ مشترك بين الحيض والطهر يحتملهما معا، ويبين معناه بدليل خارج عن لفظه.
- الدليل المنفصل كقوله تعالى:
البقرة: 42
فإن معناهما في اللغة: الدعاء والنماء، فجاءت الأدلة الشرعية تبين أن المراد بهما غير الدعاء والنماء، وبينت السنة القولية والفعلية شروطهما وأركانهما
ثانيا: تعريف البيان:
البيان لغة: الإيضاح، واصطلاحا: يطلق على التبيين الذي هو قول المبيِّن، وعلى ما حصل به التبيين وهو الدليل، وعلى متعلَّق التبيين ومحله وهو المدلول. وقد عرَّفه المصنف بالنظر إلى المعنى الأول فقال: "وَالْبَيَانُ: إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الإِشْكَالِ إِلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي". والمراد: رفع الإشكال وإبعاده عن اللفظ أو الدليل المجمل ليصبح واضحا يُفهم المراد منه، خارجا من الخفاء إلى الظهور والوضوح، كقوله تعالى:
المعارج: 19
؛ فالهَلُوعُ مُجْمَلٌ من حيث غرابته، مُبَيَّنٌ بقوله تعالى:
المعارج: 20– 21
. وأورد على تعريف البيان أمران:
أحدهما: أنه لا يشتمل التبيين ابتداء قبل تقرير الإشكال؛ لأنه ليس فيه إخراج من حيز الإشكال.
والثاني: أن التبيين أمر معنوي، والمعاني لا توصف بالاستقرار في الحيز، فذكر الحيز فيه تجوّز، وهو مجتنب في الرسم.
وأجيب بأن المراد من قوله: "إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الإِشْكَالِ" ذِكرُه وجعلُه واضحاً.
التقويم:
- ما معنى المجمل لغة واصطلاحا.
- كيف يتم رفع الإجمال في النصوص الشرعية؟
- ما معنى البيان؟
- ما العلاقة بين البيان وبين الإجمال؟
الِاستثمار:
قال أبو الوليد الباجي رحمه الله: "إِنَّ الْمُجْمَلَ مَا لَا يُفْهَمُ الْمُرَادُ بِهِ مِنْ لَفْظِهِ، وَيَفْتَقِرُ فِي الْبَيَانِ إِلَى غَيْرِهِ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
الأنعام: 142
، فَلَا يُفْهَمُ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ، وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ بَيَانٍ يَكْشِفُ عَنْ جِنْسِ الْحَقِّ وَقَدْرِهِ".
[ الإشارة في معرفة الأصول، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، ص: 220 ]
أتأمل النص وأجيب عن الآتي:
- ما محل الإجمال في النص؟
- كيف يمكن رفع هذا الإجمال؟
الإعداد القبلي:
أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي: أعرف النص والظاهر، وأبين كيف يؤول الظاهر؟
الأهداف
- أن أتعرف مفهوم النص، والظاهر، والتأويل.
- أن أميز بين مفهوم النص وبين مفهوم الظاهر.
- أن أتمثل مستويات الخطاب الشرعي في فهمي للنصوص الشرعية.
تمهيد
تتفاوت مستويات الخطاب الشرعي في دلالته على معناه، بين دلالة قطعية لا تحتمل إلا معنى واحدا ودلالة محتملة لمعان راجحة ومعان مرجوحة.
فبماذا يسمى اللفظ الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا؟ وما حكم اللفظ المحتمل لمعنيين أحدهما أرجح من الآخر؟
المتن
قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَالنصُّ: مَا لا يَحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنًى وَاحِداً، وَقِيلَ: مَا تَأْوِيلُهُ تَنْزِيلُهُ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ مِنَصَّةِ الْعَرُوسِ، وَهُوَ الْكُرْسِيُّ. وَالظَّاهِرُ: مَا احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَظْهَرُ مِنَ اَلْآخَرِ، وَيُؤَوَّلُ الظَّاهِرُ بِالدَّلِيلِ، وَيُسَمَّى الظَّاهِرَ بِالدَّلِيلِ".
الفهم
الشرح:
الظَّاهِرُ: خلاف الخفي. النصُّ: الظهور، والرفع. مِنَصَّة: ما ترفع عليه العروس. يُـؤَوَّلُ: يفسر.
استخلاص مضامين المتن:
- أحدد مفهوم النص في اللغة والاصطلاح.
- أستخرج مفهوم الظاهر وعلاقته بالتأويل.
التحليل
يشتمل الدرس على ما يلي:
أولا: تعريف النص:
النص لغة: الكشف، والظهور، والرفع، قال المصنف: "وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ مِنَصَّةِ الْعَرُوسِ، وَهُوَ الْكُرْسِيُّ" أي: الذي تجلس عليه لتظهر للناظرين. وقوله: "مُشْتَقٌّ مِنْ مِنَصَّةِ الْعَرُوسِ" لم يرد به الاشتقاق الاصطلاحي، وإنما أراد اشتراكهما في المادة؛ ويعبر عن مثل هذا بالأخذ، ودائرته أوسع من الاشتقاق لأن المصدر لا يشتق من غيره على الصحيح، بل يشتق غيره منه، فالمنصة هي المشتقة حقيقة من النص وليس العكس.
واصطلاحا: عرفه المصنف بتعريفين:
الأول: "مَا لا يَحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنًى وَاحِداً " نحو: علي، ومحمد، وبكر؛ فإنها ألفاظ لا تحتمل إلا الدلالة على أشخاص مُعيَّنين، ولا يمكن أن تدل على غيرهم، ومن ذلك قوله تعالى:
البقرة: 182
. فإن لفظ "كُتب" لا يُفهِم إلاَّ الدلالة على الوجوب، ولا يحتمل غيره، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى الْعِبَادِ. فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ، لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئاً، اسْتِخْفَافاً بِحَقِّهِنَّ؛ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الَجَنَّةَ" [الموطأ، كتاب صلاة اليل، باب الأمر بالوتر]؛ فإنه نص في فرضية الصلوات الخمس.
الثاني: "مَا تَأْوِيلُهُ تَنْزِيلُهُ" أي: أنه يفهم معناه بمجرد نزوله أو سماعه بالآذان، ولا يتوقف فهمه على تأويل آخر غير مدلوله الواحد الذي لا يدخله الاشتراك، ولا يقبل الاحتمال، نحو:
المائدة 91
فإنه يفهم معناه بمجرد نزوله ولا يتوقف فهمه على تأويله. ويطلق النص عند الفقهاء على معنى آخر وهو ما دل على حكم شرعي من كتاب أو سنة، سواء كانت دلالته نصاً أو ظاهراً.
ثانيا: مفهوم الظاهر وتأويله:
الظاهر لغة: الواضح المنكشف البين، واصطلاحا: عرفه المصنف بقوله: "وَالظَّاهِرُ مَا احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَظْهَرُ مِنَ اَلْآخَرِ وَيُسَمَّى الظَّاهِرَ بِالدَّلِيلِ" أي: اللفظ المستعمل في الأظهر مِن معنييه:
مثل قولهم: رأيت اليوم أسدا؛ فلفظ الأسد ظاهر في الحيوان المفترس؛ لأنه المعنى الحقيقي، ومُحتمِلٌ للرجل الشجاع المشبه بالأسد في شجاعته.
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأ بِفَاِتحَةِ الكِتَابِ" [صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة]؛ فإن عبارة: "لاَ صَلاَةَ "، ظاهرة في نفي الصحة، ومُحتمِلةٌ لنفي الكمال.
فإذا حُمل اللفظ الظاهر على المعنى المرجوح كان ذلك تأويلا، ويسمى اللفظ مؤولاً. والتأويل لا يكون إلا بدليل لقول المصنف: "وَيُؤَوَّلُ الظَّاهِرُ بِالدَّلِيلِ"، أي: يحمل على الاحتمال المرجوح "وَيُسَمَّى" حينئذ "ظَاهِراً بِالدَّلِيلِ" أي: كما يسمى مؤولاً، كما في قوله تعالى:
الذاريات: 47
، فإن ظاهره جمع يد، وهو محال في حق الله تعالى، فصُرِف عنه إلى معنى القوة بالدليل العقلي القاطع.
التقويم
- أعرف مدلول النص مع التمثيل له بمثال.
- أبين مفهوم الظاهر مع التمثيل له بمثال.
- أوضح كيف يؤول الظاهر فيحمل على معناه المرجوح مع التمثيل.
الاستثمار
قال الشريف التلمساني رحمه الله: "اعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ: اللَّفْظُ الَّذِي يَحْتَمِلُ مَعنَيَينِ، وَهوَ رَاجِحٌ فِي أَحَدِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ، فَلِذَلِكَ كَانَ مُتَّضِحَ الدِّلَالَةِ. وَلِاتِّضَاحِ الدِّلَالَةِ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ أَسبَابٌ ثَمَانيَةٌ".
[مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الاصول، للشريف التلمساني، ص: 54 ].
أبحث في كتاب مفتاح الوصول عن الأسباب الثمانية لاتضاح الدلالة.
الإعداد القبلي
- أحفظ متن الدرس القادم، وأجيب عن الآتي:
- أذكُرُ أنواع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم.
- أميز بين حكم ما هو قربة وما ليس بقربة من هذه الأفعال.